نشر موقع المركز الثقافى القبطى مقالة للانبا ارميا الاسقف العام ورئيس المركز الثقافى القبطى , بعنوان مصر الملجأ والملاذ
عرضنا فى المقالة السابقة هروب «العائلة المقدسة» من منطقة «وادى النطرون» (الإسقيط) حتى وصولها إلى «البهنسا»، وقد أُشير إلى شجرة عتيقة لها ارتباط بـ«العائلة المقدسة». واليوم، نستكمل بعض المحطات الأخرى فى الهروب إلى «مِصر».
«جبل الطير»
ارتحلت «العائلة المقدسة» ناحية الجنوب حتى بلدة «سمالوط»، ثم إلى «جبل الطير» الذى يقع شرق المدينة: وقد سُمى الجبل بهذا الاسم لأن أسرابًا من طيور «البوقيرس» المهاجرة تجتمع هناك، وكائن فيه الآن دير على اسم السيدة العذراء، ويسمى أيضًا «جبل الكَفّ» أو «جبل الصخرة»: لأن صخرة كبيرة منه كادت أن تسقط على «العائلة المقدسة» فى أثناء إبحارها بمركب فى «النيل»، فمد الطفل يسوع يده ومنع الصخرة من السقوط، فطُبعت كفه على الصخرة؛ وقد أقامت الملكة البارّة «هيلانة»، والدة الإمبراطور «قسطنطين الكبير»، كنيسةً فى تلك المِنطقة اشتُهرت باسم «كنيسة الكف» أو «كنيسة الصخرة»، ثم امتد الاسم إلى الجبل كله.
وقد ذكرت بعض المصادر أن «العائلة المقدسة»، وهى فى الطريق، قد مرت على شجرة «لَبَخ» عالية (شجرة «غار») كان يسكنها الشيطان ويتعبد لها الوثنيُّون، إلا أنه فَور مرور السيد المسيح عليها انحنت كأنها تسجد! فكانت جميع فروعها هابطة تجاه الأرض وأوراقُها الخضراء تعلو! وبعد تلك الواقعة صارت لقشر تلك الشجرة وأوراقها وثمارها قوة شفاء من الأمراض؛ فقد ذكر المؤرخ «سوزومينوس» ـ من القرن الخامس الميلادى: «يُقال إنه فى «الأشمونين» ـ وهى مدينة فى صَعيد «مِصر» ـ شجرة تسمى «بيرسيا»، ثمرها أو ورقها أو قشرها يشفى المرضى من أمراضهم. ويروى المِصريُّون أن «يوسُِف» عندما هرب من مطاردة «هِيرُودُس»، أتى مع «المسيح» (وهو طفل) و«مريم» أمه القديسة إلى «الأشمونين»، وفى اللحظة التى اقترب فيها من الباب، انحنت الشجرة إلى الأرض على الرغم من عُلُوها، لتسجد للمخلِّص. وإن ما أقوله عن الشجرة، أرويه كما سمعتُه من أشخاص كثيرين…».
«الأشمونين»
وفى «الأشمونين»، حال دخول «العائلة المقدسة»، ارتجفت الأوثان وسقطت! إذ يذكر «بلاديوس» المؤرخ ـ أسقف «هيلينوبوليس» (من القرن الرابع الميلادى)، بعد أن ذهب إلى مِنطَقة «الأشمونين»: «وقد رأينا أيضًا هناك بيت الأوثان حيث سقطت جميع الأوثان التى فيه على وجهها عندما دخل مخلِّصنا المدينة»؛ وقد أقام السيد المسيح بها أيامـًا، وصنع معجزات وعجائب كثيرة، منها شفاء مرضى وإخراج شياطين.
وترتبط «الأشمونين» بـ«القديس وَدامون الأرمنتى»؛ وقد كان شابًّا من مدينة «أرمنت»، وحدث أنه عندما سمِع عن معجزات الطفل بـ«الأشمونين» قرر الذَّهاب إليه، وبالفعل التقاه هناك؛ وقد باركه السيد المسيح وتنبأ له بالاستشهاد. وعندما عاد «وَدامون» إلى «أرمنت»، سمِع كهنة الأوثان بأمره واغتاظوا بشدة وقتلوه.
«ديروط أم نخلة»
وصلت العائلة المقدسة إلى «ديروط أم نخلة» فى الجنوب، وهى قرية تابعة لمركز «ملوى» بمحافظة «المنيا»؛ وقد ذكر أن التسمية ترجع إلى أن نخيل المِنطَقة وشجرها قد انحنى إجلالًا للسيد المسيح عند عبوره هناك، كما أنبع السيد المسيح عين ماء عذب هناك.
«جبل قُسْقام»
يُعد «جبل قُسْقام» إحدى أهم مَحطات «العائلة المقدسة» ـ حيث الآن دير السيدة العذراء الشهير بـ«دير المُحَرَّق» الذى مكثت فيه ستة أشهر وعشرة أيام فى إحدى المغارات، إذ يُعد هيكل الكنيسة الأثرية بالدير هو تلك المغارة.
تأسس الدير على يد «القديس أنبا باخوميوس»، الملقَّب بـ«أب الشركة»؛ وقد استقرت «العائلة المقدسة» هناك حتى ظهور الملاك للبار «يوسُف النجار» مرة أخرى، يخبره بالعودة إلى أرض «فلسطين» بعد أن مات الذين يريدون قتل الصبى. وهكذا نالت «مِصر» وشعبها بركة خاصة عظيمة لم ينلها بلد آخر من ذٰلك الهارب الذى اختارها ملجأً وملاذًا له. و… والحديث فى «مِصر الحلوة» لا ينتهى!.
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسى