«الظافر بأمر الله» للانبا ارميا

وقد ذُكر عن «الحافظ» أنه كان يُرسل الجنود إلى «عَسْقَلان» كل ستة أشهر بحسب ما يصله من أخبار عن أعداد عساكر «الفرنج»: «وكان «الحافظ» فى كل ستة أشهر يجرِّد (يقتطع أو يُخرج) عسكرًا إلى «عَسْقَلان»؛ بما يتحققه من عَزَمات «الفرنج» (ما يعتزمونه كل مرة) فى القلة والكثرة، (للتقوية) مع من هو فيها (فى «عسقلان») مقيم من (الجنود) المركزية والكنانية وغيرهم؛ فكانت القلة من الفرسان من ثلاث مئة إلى أربع مئة (يعنى الذين يُسَيِّرهم فى التجريدة) (أى فى جماعة الجنود المقتطعة)، والكثرة من أربع مئة إلى ست مئة، ويقدم على كل مئة فارس أميرًا ويسلم للأمير الخريطة».

ومن الأحداث التى شهِدها زمن حُكم الخليفة «الحافظ لدين الله» الفاطمى، أنه فى السنة الخامسة من حكمه تُوفى الخليفة العباسى «المسترشد بالله» حين قتل فى حربه مع السَِّلْچُوقيين.

وفى السنة السادسة، خُلع الخليفة «الراشد بالله» العباسى وتُوفى بعد عامين تقريبًا. وفى السنة التاسعة، صارت زلزلة عظيمة قال عنها سبط ابن الجوزى: «فيها زُلزلت جنزة (مدينة بين شروان وأذربيجان).. فأهلكت مئتى ألف وثلاثين ألف إنسان»، كما ذكر عنها «ابن القَلَانِسِى»: «إنها كانت بالدنيا كلها، وإنما كانت بـ(حلب) أعظم، جاءت ثمانين مرة، ورمت أسوار البلد وأبراج القلعة، وهرب أهل البلد إلى ظاهرها».

كذلك قال بعض المؤرخين إن «الحافظ» كانت تغلب على طباعه صفة الحِلم. وقد تُوفى الخليفة «الحافظ لدين الله» عام 544هـ (1149م) بعد أن مرِض، قيل بداء بالمعدة، وترك وصية بأن يتولى أمور الحكم من بعده «أبومنصور إسماعيل»، أصغر أبنائه، الذى لُقب بـ«الظافر بأمر الله». وقد قيل إن «الحافظ» يُعد آخر الخلفاء الفاطميين الذين حكموا «مِصر» من الأشخاص البالغين.

«الظافر بأمر الله» (544-549هـ) (1149-1154م)

هو «أبومنصور إسماعيل»، ابن «الحافظ لدين الله»، تاسع الخلفاء الفاطميين بمصر. تولى الحكم وله من العمر سبعة عشر عامًا وبضعة أشهر. ولحداثته، لم يُحسن حكم البلاد؛ فيذكر المؤرخ «شمس الدين أبوالمظفر»: «.. وكانت أيامه مضطربة لحداثة سنه واشتغاله باللهو». كذلك ذكر القاضى «شمس الدين»: «كان كثير اللهو واللعب، والتفرد بالجوارى، واستماع المغانى».

كان أول وزراء «الظافر» هو «نَجم الدين أبوالفتح سليم»، وقد شغل منصب الوزارة مدة قصيرة قرابة الشهرين فقط، وانتهت بمقتله بسبب ثورة «على بن إسحاق بن السَّلَّار» والى الإسكندرية والبحيرة عليه؛ إذ سار إلى «القاهرة» وخلعه واستولى على الوزارة دون رغبة «الخليفة الظافر».. ثم خرج القائد «عباس بن أبى الفتوح» على «ابن السَّلَّار» ودبر أمر قتله ليتولى هو أمر الوزارة، ولُقب بـ«الأفضل عباس».

وكان لـ«الأفضل عباس» ابنٌ اسمُه «نصر»، أراد يومًا ما أن يقتُل أباه!! فدس له السُّم؛ ويذكر «ابن التَّغرىّ»: «فعلِم أبوه واحترز، وأراد أن يقبض عليه فما قدر؛ ومنعه (مؤيد الدولة أسامة)… فشرع أبوه يلاطفه وقال له: عوض ما تقتُلنى اقتل (الظافر)»؛ فقد كانت عَلاقة «نصر» بالخليفة «الظافر» قوية، وكان «الظافر» يثق به وينزل متخفيًا إلى منزله.

لكن فى إحدى الليالى، غدر «نصر بن عباس» بصديقه الخليفة «الظافر» وقتله ورمى به فى بئر! ولما علِم الوزير «الأفضل عباس» أحضر أخوى الخليفة وابن أخيه وقتلهم جميعًا، ثم ادعى أن «الظافر» ركِب مركبًا فانقلب به وغرق، وكان ذلك عام 549هـ (1154م).

ونتجت عن تلك الأحداث ثورة أهل القاهرة والجند، وطلبوا الثأر من الوزير وابنه، اللذين جمعا الأموال والجواهر وهربا إلى «الشام».. لكن «الفرنج» قبضوا عليهما، وقتلوا «عباسًا»، ثم قتلوا ابنه فى العالم التالى.. إلا أن مِن المؤرخين مَن وضع قتل «الظافر» على عاتق أخويه وابن عمه، لكن أغلبيتهم اتفقوا على أن قاتل «الظافر» هو «نصر».

و… والحديث فى «مِصر الحلوة» لا ينتهى!.

* الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى