يقال: «هناك شخصيات كالتاريخ: لا تتكرر، ولا تُنسى»!، ومثلث الرحمات «البابا شنودة الثالث» علامة تاريخية تظل آثارها في الذاكرة الإنسانية؛ فالحديث عنه لتأنس به النفوس وتسعد له القلوب. هو رحلة عبر الزمن؛ تستمتع بحُلو حديثه، وبرقة مشاعره، وبابتسامته المفرحة، في كل مرحلة من مراحلها الحافلة، من الطفولة حتى صار أبًا وراعيًا صالحا للكنيسة، يعلِّم ويرشد ويدبر أمورها بكل حكمة.
إن «الحكمة» طريق ارتاده المتنيح «البابا شنوده الثالث» حتى ارتبط اسمه بها؛ فلُقب «البابا الحكيم» و«حكيم العرب»، وكان الراعى الأمين والبطريرك الذي أشاد العالم بحكمته ودوره. إلا أن الحكمة ليست بالدرب السهل المفروش بالورود، بل طريق طويل يمتد برحلة الحياة، يتعلم فيه الإنسان ويتقن كل يوم من أيامه شيئًا جديدًا، ويكتسب فضائل متنوعة تشرق في حياته وحياة الآخرين.
وفى حكمة البابا شنوده الثالث:
قاد حياته وحياة الآخرين
استطاع أن يحيا بالحكمة سواء في العالم أو حياة الرهبنة والنسك، ورعى خدمته التي أسند الله مسؤوليتها إليه حين صار أسقفًا للتعليم ثم بطريركًا للكرازة المرقسية، فاهتم بأنفس شعبه واحتياجاتها، ولم يرد سائلًا طرق بابه أو إنسانًا التجأ إليه.
ربح النفوس
ربح محبة مَن تعامل معه والتقاه، حتى قيل فيه: «عندما تجلس مع (البابا شنودة) في أول مرة، لا تشعر معه بالغربة، بل تنطلق بالحديث معه ببساطة، وكأنك تعرفه منذ سنوات طوال».
نعم ربِح الكل بمحبته وابتسامته وبساطته الحكيمة. ربِح رعيته برعايته وخدمته لها، منذ الأسقفية حتى البطريركية على مدار قرابة نصف القرن. ربِح إخوة الوطن بمحبته ومودته، فعلى سبيل المثال: كانت له عَلاقات مودة كبيرة بكل من فضيلة الشيخ مُحمد سيد طنطاوى شيخ جامع الأزهر السابق؛ وبوزير الأوقاف الأسبق أ. د. محمود حمدى زقزوق، وبفضيلة الشيخ أحمد حسن الباقورى، وبفضيلة الشيخ المفتى مُحمد خاطر، وبفضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق شيخ الأزهر، وكثيرين. ربح كثيرين بكتاباته البسيطة الأسلوب، العميقة الفكر، العريضة التأثير، المتميزة الأخاذة؛ حتى تابعها عدد كبير من المصريين ـ مسلمين ومَسيحيين، إلى جانب أحاديثه الصحفية ولقاءاته التليفزيونية التي كانت محط الأنظار. ربح كثيرًا من الشخصيات العالمية في رِحْلاته الكثيرة الخارجية حتى حرصت على لقائه وزيارته في مِصر.
الفكر والثقافة
ارتبطت الحكمة في حياة البابا شنودة الثالث بالمعرفة والثقافة فأوْلاهما مكانة خاصة؛ فمنذ خطواته الأولى أخذ يقرأ كتابات مشاهير كُثر في شتى المجالات. ثم بدأ يقرض الشعر في شبابه المبكر. وكتُب مقالات في مجلة مدارس الأحد (1949-1954م). وفى رهبنته نسخ وعلَّم أقوال آباء الكنيسة، وكُلف بأمانة مكتبة دير السريان. ثم صار أول أسقف للتعليم بيد القديس البابا كيرلس السادس؛ ليحمل طوال حياته رسالة خطيرة لم يتوقف عنها حتى نياحته، تاركًا لنا كَنزًا عظيمًا بلغ قرابة 140 كتابًا.
وأسس «معهد الرعاية والتربية» وافتتح «معهد الكتاب المقدس» و«معهد اللغة القبطية» وقسم اللاهوت بـ«معهد الدراسات القبطية»، ومراكز ومؤسسات علمية وبحثية وثقافية، منها: «مؤسسة مار مرقس لدراسات التاريخ القبطى»، و«مركز البابا شنودة للتنظيم وتكنولوچيا المعلومات»، و«المركز الثقافىّ القبطىّ الأرثوذكسىّ».
لذٰلك حرَص «المركز الثقافىّ القبطىّ الأرثوذكسىّ» على تقديم جائزة «البابا شنودة الثالث للـحكمة والتعاطف» إلى شخصيات اتسمت حياتها بالحكمة وخدمة الآخرين؛ ففاز بها هؤلاء الأفذاذ، لا من أجل ألقابهم أو مناصبهم ـ المذكورة عام الجائزة ـ بل لجهودهم الفائقة التأثير في الإنسانية: أ. د. Martin Schreiber أستاذ ورئيس لقسم أمراض الكُلى والضغط بكليڤلاند كلينك بأوهايو بالولايات المتحدة الأمريكية الحائز «جائزة أحسن طبيب في أمريكا عام 2013م»، وم. هانى عازر خبير الأنفاق بألمانيا الذي أشرف على بناء محطة قطارات برلين، وم. إبراهيم سمك عالم الطاقة الشمسية بألمانيا رئيس المجلس الأوروبى للطاقة المتجددة مُدتين على التوالى، المشرف على مشروع تصدير الطاقة الشمسية من شمال إفريقيا إلى أوروبا، وم. أنسى نجيب ساويرس رجل الأعمال المصرى الرئيس والمؤسس لمجموعة أوراسكوم المتعددة النشاطات، ود. Péter Kveck سفير دولة المجر بالقاهرة، ود. Paolo Sabbatini مدير المركز الثقافى الإيطالى المستشار الثقافى بالسفارة الإيطالية بالقاهرة، وقبل أيام قليلة في الذكرى العاشرة لنياحة البابا شنودة الثالث فاز بالجائزة أ. د. رشاد برسوم الرئيس الأسبق لأقسام الأمراض الباطنية مؤسس مركز قصر العينى لأمراض الكُلى والدَّيْلَزة (Dialysis) بجامعة القاهرة. و… والحديث في مِصر الحلوة لا ينتهى!.
* الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى