نحن نحتفل بعيد العنصرة، وأهمية هذا اليوم ترجع إلى أن الكنيسة المسيحية وُلِدت فيه، وُلِدت في أورشليم ومنها إلى كل العالم. في العهد القديم كان الشعب يحتفل بعيد الفصح، ثم يحتفلون بعيد الحصاد، وهذا يقابله عيد القيامة وبعد خمسين يومًا عيد حلول الروح القدس. وبعد عيد الفصح يحتفلون بعيد تسليم الناموس، ونحن نحتفل بعيد حلول الروح القدس.
في ذلك اليوم، كل واحد من الحاضرين كانت له لغته وتاريخه، ، وما حدث يُعد شيئًا غريبًا، يقول الكتاب «كَمَا مِنْ هُبُوبِ رِيحٍ عَاصِفَةٍ»، هذه كانت العلامة الأولى.
العلامة الثانية: أن ظهرت الألسنة النارية منقسمة على كل واحد منهم، هذه الألسنة نعبر عنها في الأيقونات أنها مستقرة فوق رؤوس المجتمعين في العلية عندما أخذوا الوعد السابق أن الروح يحل عليهم.
العلامة الثالثة: التكلم بألسنة. ابتدأ المجتمعون من كل مكان يتكلمون بلغتهم.. أول معجزة كانت كلام، وثاني معجزة سماع. تكلم الحاضرون مع بعضهم، وسمعوا عظة بطرس. الروح القدس ترجم كلام بطرس الصياد البسيط، وابتدأ كل واحد يسمع بلغته بطرس الرسول الذي قال عظة نارية خاطب بها الجموع، وهذه العظة تاريخية وتربوية وكرازية، وأيضًا توضيحية يوضّح بها الأحداث التي حدثت في أورشليم من صلب المسيح ثم قيامته وصعوده.
الحديث عن الروح القدس حديث ممتد، ولكننا سنركز على نقطتين: 1- عمل الروح القدس، 2- ثمر الروح القدس.
أولًا: عمل الروح القدس
روح الحق والمعرفة:
الإنسان في مسيرة حياته يتلوث ذهنه وقلبه وكلامه، الإنسان لا يقول الحق بل ويبعد عن الحق، ودخل في متاهات الكذب والرياء والشكليات، وينسى أن حياته بخار يظهر قليلًا ثم يضمحل، فجميعنا نري البخار يظهر ثوانٍ ويذهب. والروح القدس عندما يعمل في الإنسان يجعله شاهدًا للحق، ويعطي معرفة حقانية لأنه «يأخذ مما لي (المسيح) ويخبركم». كما يقول القديس بولس: «أمّا نحن فلنا فكر المسيح»، الروح عندما نطلبه يعطيك شهادة الحق أن «يكون كلامكم نعم نعم ولا لا» لكي تعيش حياتك بالصورة التي أراد الله لكل إنسان أن يعيشها.
روح التعزية و الراحة:
بمعني أنه يعطي تعزية وراحة داخلية قلبية ضميرية للإنسان الذي يتعرض لأزمات ومواقف غضب ومواقف الفشل والخسارة، ولكن عمل الروح القدس أنه يعطي الطمأنينة و التعزية «عند كثرة همومي في داخلي، تعزياتك تلذّذ نفسي». تعزيات الروح تجعل الإنسان كأنه يعيش في متعة أو لذّة. عمل الروح القدس في الأسرار يعطي شكلًا من أشكال الراحة. ومن أسماء الروح القدس “روح الحق المعزي”، وكلمة “المعزي” أي مثل أم تربت على ابنها فيشعر براحة. ونحن في ظروفنا الحالية نحتاج للاطمئنان من الله..
الروح يعمل عمل الوحدة:
الوحدة الحقيقية تكون بعمل الروح القدس في القلوب والأفكار، يقول السيد المسيح في الصلاة الوداعية في يوحنا 17 «لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِدًا، كَمَا أَنَّكَ أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا وَاحِدًا فِينَا». الروح القدس يعطي الوحدة في الثالوث للإنسان، والوحدة في المسيح هي وحدة الإيمان، ونحن نعيش لأجل تكميل القديسين، وهذا الكمال لأجل أن نحيا الوحدة. كما يقول القديس بولس «لأجل تكميل القديسين لعمل الخدمة».
ثانيًا: ثمر الروح القدس:
قيل في رسالة غلاطية (5: 22): «وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ فَرَحٌ سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ لُطْفٌ صَلاَحٌ، إِيمَانٌ وَدَاعَةٌ تَعَفُّفٌ». هذا الثمر هو الذي يخرج منك، وهذا نتيجة عمل الروح القدس فيك، وهو ينشأ في حياة الإنسان، فهو زرع يحتاج أرضية وهي أرضية المحبة. ثمر الروح القدس لا يظهر بدون المحبة. هل المحبة موجودة فيك؟.. هل لديك القدرة على حب الآخر وحب الطبيعة وتحب الحياة الأبدية، أم محبتك ناقصة؟ المحبة يجب أن تتجدّد باستمرار، تعطي ثمرها في حينه. هذا الموقف يريد حكمة وهدوءًا، هذه الصورة الحلوة، الأرضية هي المحبة، إن توفّرت يظهر لديك ثمر الروح العظيم.
الإنسان المفرح هو القادر أن يقدم رسالة فرح. هل لديك ثمره الفرح؟ فرح الروح يعمل في داخلنا، وفرح الرب هو قوتنا.
ثمرة ثانية وهي السلام، أنت تستطيع أن تصنع سلامًا في كل مكان. يوجد شخص وجوده يسبّب أزمات وغير موزون، ويوجد شخص كلمته الطيبة تريح «فطوبى لصانعي السلام، لأنهم أبناء الله يُدعَون».
يقول أيضًا ثمرة طول الأناة وثمرة الصلاح وثمرة الإيمان والوداعة والتعفُّف… إذا قرأت غلاطية 5 تجد 17 نوعًا من الخطايا، وتجد أيضًا ثمر الروح.
أن التلاميذ بعد حلول الروح القدس «امتلأوا من الروح القدس»، ومن أورشليم امتدت الكرازة لكل العالم في إنطاكية وروما ومصر، حتى بلاد الهند، وكل الرسل انطلقوا للكرازة. يعطينا المسيح أن نعيش هذه المشاعر ونتمتع بها.
اليوم أعطيك تدريبين:
1- احفظ صلوات الساعة الثالثة وخاطب بها عمل الروح القدس.
2- اقرأ رسالة غلاطية تجد بها مفردات الجسد وثمر الروح.
يباركنا مسيحنا بكل بركة روحية لإلهنا كل مجد وكرامة من الآن وإلى الأبد. آمين.