رزق سعد
أحتفلت الكنيسة القبطية الكاثوليكية، بالسيامة الأسقفية للأب هاني باخوم، معاونًا بطريركيًا لشؤون الأبرشية البطريركية، وذلك في القداس المهيب الذي ترأسه البطريرك ابراهيم اسحق، بحضور الكاريدنال أنطونيوس نجيب، ولفيف من الأساقفة والكهنة، والرهبان والراهبات، وشخصيات دينية ومدنية، وحشد من المؤمنين.
كلمة البابا فرنسيس
وتضمن القداس الإلهي، إلقاء مرسوم التقليد البطريركي، وإلقاء الكلمة التي وجهها البابا فرنسيس إلى الأسقف الجديد، حيث جاء فيها: “أقدّم تهنئتي القلبية للأنبا هاني باخوم بمناسبة رسامته أسقفًا معاونًا جديدًا للدائرة البطريركية، متحدًا وإياه بمشاعر ألفة روحية في هذا الزمن بالغ الأهمية له ولجماعة كنيسة الإسكندرية القبطية الكاثوليكية بأسرها في مصر”.
ورفع قداسته “الصلوات الحارة ليسوع، الكاهن الأعظم والأبدي لكي تصير خدمته الأسقفيّة خصيبة بثمار روحيّة جمّة لبُنيان الشعب المسيحي”، سائلا له “بشفاعة مريم، والقديس مرقس الإنجيلي والقديس باخوميوس، نعمًا وافرة وأنوارًا سماوية، وأبعث له من قلبي بركة رسولية خاصة، وأمدها طوعًا إلى قداسة البطريرك والأساقفة القائمين بالتكريس، وأقارب الأسقف الجديد، والكهنة والمكرسين وجميع الحاضرين في السيامة المقدسة”.
عظة البطريرك اسحق
وألقى البطريرك إبراهيم اسحق عظة القداس، جاء فيها: “أشكر اللهَ الَّذِي يَقْوَدُ كَنِيسَتَهُ بِرَوْحِهِ الْقُدُّوسَ، لكي تكون شاهدة القيامة والحياة، والذي ينعم عليها بوقت مميَّز باختيار خدام أمناء لخدمة الكنيسة والمجتمع بسيامة ثلاثة أساقفة في غضون شهر واحد، وبالطبع تم الاختيار في شهور عديدة، وهي علامة واضحة أن الله يعمل في الكنيسة وفي حياتنا وإشارة إلى مسيرة تجديد. مما يعود بالغنى على نمو الكنيسة ومسيرتها من لقاء الحيوية والحماسة مع الخبرة والحكمة، فلا نمو دون جذور ولا أثمار دون فروع جديدة، كما يقول قداسة البابا فرنسيس في كلامه عن الحياة المكرَّسة. وفي نهاية الأمر ما نحن إلا أواني خزفية، لتكون القدرة من الله لا منَّا”.
وأضاف: “منذ ثلاثة أسابيع وضعت اليد على الأنبا باسيليوس أسقفًا لأبرشية سوهاج، واليوم توضع اليد على الأب هاني باسم الأنبا باخوم ليكون أسقفًا معاونًا لشؤون الأبرشية البطريركيَّة. ما معنى ذلك؟ للتوضيح لا بد من الكلام عن مهام الآب البطريرك ودوره: يمثَل البطريرك الكنيسة البطريركيَّة في جميع شؤونها القانونيَّة؛ فالبطريرك هو خادم الكنيسة الأوَّل بمصر كلها على كرسي الإسكندرية، أي سبعة أبرشيات، وممثل الكنيسة أمام الدولة والطوائف الأخرى ومسؤول عن المهجر، والعلاقات مع قداسة البابا والدوائر البابويَّة. البطريرك هو رئيس مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في مصر إلى جانب المسؤولية مع الرهبانيات الرجالية والنسائية. وهو في الوقت ذاته أسقف الأبرشية البطريركية، لذلك فاختيار الأنبا باخوم هو خطوة ضمن خطوات قادمة. وهو أسقفٌ ينوب عن البطريرك فيما يخصّ شؤون الأبرشية البطريركيَّة، الكهنة، والرعايا وما يتعلَّق بهم، وذلك في شركة وتنسيق مع البطريرك لخير الأبرشية، مما يتيح للبطريرك أن يكون للجميع ومعهم للقيام برسالته ومهامه الأخرى”.
وتابع: “إن مهمة الأسقف هى الشهادة ليسوع المسيح حتَّى الاستشهاد ولهذه المهمَّة أبعاد ثلاثة: التعليم والتقديس والتدبير. وقد سبق أن تأمَّلنا في بُعد التقديس بمناسبة سيامة الأنبا باسيليوس واليوم أتأمَّل معكم في بعد التدبير. اخترت يا صاحب النيافة شعارًا لك “الرب يدبر” (تك 22: 8)، هذه العبارة المختصرة تعبّر عن ذروة إيمان أبينا إبراهيم وثقته بالله، وأسوة بهذه الثقة فإننا نصلي ونقول دبِّر حياتنا كما يليق. وقد رأى آباء الكنسية في ذبيحة إسحق صورة لذبيحة المسيح الخلاصيَّة، وبالفعل فإنَّ الرب دبَّر الخلاص في المسيح “هكذا أحبَّ الله العالم حتَّى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به” (يو3: 13)، وتحقيق الخلاص في حياتنا يتوقَّف على قبولنا واستجابتنا له. وباختيارك لهذا الشعار فإنك مدعو لتكون بالسيامة الأسقفيَّة فمًا للتعليم وأداة للتقدِّيس وخادمًا للتدبير. “إن مهمّتنا كأساقفة هي أن نكون، لكلِّ شخص، وبطريقة سامية وواضحة، علامةً حيّةً ليسوعَ المسيح، المعلّم والكاهن والراعي. إن يسوع المسيح هو الأيقونة التي نتطلّع إليها، أيها الإخوة في الأسقفيّة، كي نمارس خدمتنا كرسلٍ منادين للرجاء، وعلى مثاله يجب أن نعرف نحن أيضًا أن نقدّم كياننا لخلاص الذين أوكلوا إلينا، مبشّرين ومحتفلين بانتصار محبّة الله الرحيمة على الخطيئة وعلى الموت”. (را. رعاة القطيع 41). هناك فهم خاطئ عند سماع كلمة تدبير وهو ربطها بالناحية الاقتصادية والمادية فقط، بينما مهمة التدبير للأسقف هي سلطة تدبير النفوس سلطة الأبَّوة والخدمة لأجل تقديس هذه النفوس وخلاصها على مثال المسيح. (م. ف2 مرسوم في مهمة الأساقفة الراعوية في الكنيسة فقرة 19). وما الأمور المادية إلا للمساعدة، وهي وعاء إن لم يُملأ بحب المسيح الخلاصي ظلَّ دومًا صنجًا يرن”.
وختم البطريرك اسحق عظته بالقول: “الأخ المحبوب أنبا باخوم، اليوم يرسلك المسيح لتكون راعيًا لخرافه هو، لتقودها حسب قلبه هو، مانحًا إياك هبة مجانية. إنَّ الادارة الوحيدة الحقيقية هي التي تولد من وضع غسل الأرجل على مثال المسيح وكما قال لنا: “جَعَلْتُ لَكُمْ مِنْ نَفْسِي قُدْوَةً لِتَصْنَعُوا أَنتُمْ أَيْضًا مَا صَنَعْتُ إِلَيكُمْ”. أختم معك ومع كل أخوتنا الأساقفة ومع شركائنا في الخدمة الآباء الكهنة بهذه الصلاة: يا يسوع ينبوع ومثال كهنوتنا، اجعلنا يدك للعطاء، وفمك لاعلان البشارة ورجلك للبحث عن الخروف الضال، وقلبك للخدمة حتَّى نجعلك حاضرًا ليس على المذبح فحسب بل أيضًا في العطاء المجاني لذواتنا وفي قبول الجميع بفرح رباني. أخلق فينا قلبًا مفتوحًا على المستقبل متنبهًا للآخرين وحسّاسًا لتطلعات الحاضر قلبًا ينبض بقوة من اجل الوحدة والشركة والمحبة. آمين”.
كلمة الأنبا باخوم
وألقى المطران الجديد الأنبا باخوك كلمة، جاء فيها: “في الشّعار الذي اخترتُهُ عُنوانًا لِخدمَتي: “الرَّبُّ يُدَبِّر” (تك ٢٢: ٨)، أسيرُ مع أبا الآباء، عندما يظهر له الرَّبُّ ويَطلبُ منه أن يُضحّيَ بابنِه الحبيب. كيف يستطيعُ فِعلَ ذلك، ومِن أينَ لَهُ القُوّةُ والشَّجاعة؟ حَتَّى هو لا يَعلم. وأنا اليومَ أرَى ضُعفي، وأرَى ما بينَ يَدَيَّ مِن أعمال؛ أرَى تاريخي وحياتي، فأقول: كيف لك يا رب أن تطلب مني هذا؟ وأسمعُ اسحق وهو يقول لأبيه ابراهيم: «يا أبتِ، هذه النار والحطب، فأين الحَمَلُ للمُحرقة» (تك 22: 7)؛ فَتَختَرِقُ هذه الكلمات نَفسَ ابراهيم، ونفسي؛ فيقول: «الرَبُّ يُدَبِّرُ يا بُنّي». واليومَ مَعَكُم أُكَرِّر: الرَّبَّ يَرَى ويُدَبِّر لِخِدمَةِ شَعبِهِ: كَلِمةَ خلاصٍ، أسرارًا مُقَدَّسَةً وشَرِكَةً تجمَعُنا”.
وأضاف: “اليومَ ليسَ عَلَيَّ أن أُضَحِّيَ بِشَيءٍ، بل علىَّ أن أثِقَ في أنَّهُ يَرَى وسَيَمنَحَني كُلَّ شَيء. يَجِبُ عَلَىَّ أن أَتَخَطَّى تَجرِبَتي، أي أن أَرَى فقط ما أنا عليه مِن خطيئة وعَدَمِ استحقاق، وأَثِقَ بأنَّ في ابنه الحبيب يسوع المسيح رَأَى ودَبَّرَ. فَيَحِلُّ السَّلامُ بقلبي عندما أرى نفسي بين القطيع الذي يراه الرب ويقوده، ومَخافةٌ عندما أرى أنّه عليَّ أنا أن أسهرَ على القطيع. الرَّبُّ يُدَبِّر؛ هذه الكلمات هي مُلَخَّصُ خِبرَتي ومَسيرَتي حَتَّى الآن. فالرَّبُّ قَد رَأى ودَبَّرَ لي والِدَين وإخوة، وعائلةً وأخًا مَرشومًا بِصَليبِ المَرَض، ومِن صَليبِهِ ارْتَوَيْتُ ماءَ الإيمانِ والدَّعوة. ورأى الرَّبُّ شبابي ودَبَّرَ لي مَسيرةَ إيمانٍ في حِضنِ الكنيسة، لِكَي تُنَمّي ما زَرَعَهُ هو. الرَّبُّ رأى لِتَكويني فَدَبَّرَ أشخاصًا قادوني وفَتَحوا أمامي بابًا للحياة. لقد دَبَّرَ لي أخي الكاهن، فهو يوحنا المعمدان الذي أشار لي أين يوجَدُ المسيح”.
وخلص المطران الجديد الأنبا باخوم في كلمته متوجهًا إلى الحضور قائلاً: “صاحب الغبطة، لقد دَعَوتَني اليومَ لأكونَ نائبًا لَكُم، وأنا أتَعَهَّدُ لَكُم بالشَّرِكة والتعاون الكامل مع ابائي أساقفة السينودس البطريركي. آبائي وإخوَتي كهنة الأبرشية البطريركية، أنتم ورِعايَتُكُم هي أولوية بالنسبةِ لي، فمعًا وفقط معًا، سَنَستَطيع أن نُواصِلَ بِناءَ إبرشيَّتِنا. شعب الأبرشية البطريركية المُبارك: الرَّبُّ يُدَبِّر، على هذه الكلمة ألقى الشِّباك. وأضَعُ نفسي بينَ أيدي الرَّبِّ وإلهاماتِ رُوحِهِ القُدُّوس لِخِدمَتِكُم، فأنا مَعَكُم ابنٌ وأخٌ ولَكُم أبٌ، فَصَلّوا لأجلي”.