بحضور عدد من المطارنة ..راس البطريرك ابراهيم إسحاق قداس عيد الميلاد للأقباط الكاثوليك..ووجه رسالة الميلاد قال فيها باسم الآب والابن والروح القدس إله واحد آمين من البطريرك إبراهيم اسحق بنعمة الله، بطريرك الإسكندرية وسائر الكرازة المرقسية للأقباط الكاثوليك، إلى اخوتنا المطارنة والأساقفة، وإلى أبنائنا الأعزاء القمامصة والقسوس، الرهبان والراهبات والشمامسة، وإلى جميع أبناء الكنيسة القبطية الكاثوليكية في مصر وبلاد المهجر. النعمة والسلام في ربنا يسوع المسيح، مولود بيت لحم ” لا تخافوا، هآنذا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب، ولد لكم اليوم مخلص هو المسيح الرب” (لو ٢: ١٠-١١) مقدمة: شكرًا للرب الذي مكننا أن نجتمع باسمه، هذه الليلة، لنرفع قلوبنا إلى فوق ونحتفل بعيد ميلاده، مع مئات الملايين الذين تفيض قلوبهم غبطة وشكرًا وخشوعا لهذه الذكرى العطرة. وهي ليست مجرد احتفال طقسي أو عادة لتقليد مسيحي، إنما هي فرح عظيم لاستقبال ميلاد الرب يسوع في قلوبنا وفي حياتنا. أولاً: لا تخافوا! جدير بالانتباه أن أوَّل الأسئلة في الكتاب المقدس هو سؤال الله للإنسان “آدم ادم أين أنت؟” فاجاب آدم «سمعت وقع خطاك فخفت لأني عريان فاختبأت» (تك3 : 9 _ 10). يهرب الإنسان من الله لأنَّه خائف، فلماذا يخاف منه؟ بينما ألفته السابقة معه تؤكد العكس. وهذا السؤال مازال مطروحًا على كل واحد فينا. أين أنت؟ أين أنت من ثقة الله فيك ومحبته لك وانتظاره لتجاوبك معه؟ هناك فرق شاسع بين مخافة الله بمعنى احترام قدسية حضوره في حياتي، وبين الخوف منه بناءً على تصورات سلبيّة غير حقيقية عنه، كما لو كان خصمًا للإنسان وكأن رفعة الله لا تقوم إلاّ على الحطّ من قيمة الإنسان وكرامته. وكم من الفلاسفة عبروا عن هذا الفكر المشّوه، وهذا الخطر الذي يهددنا دومًا. وقد يدفع الخوف من الله إلى نوعين من التطرف. فإمَّا أن ينكر الإنسان وجود الله على الصعيد النّظريّ أو على الصعيد الحياتيّ فيعيش كما لو كان الله غير موجود بالمرة. أمَّا التطرف الثاني فهو عيش العلاقة مع الله كنوع من العبوديّة خوفًا من غضبه وبالتالي من عقابه، مما يدفع البعض إلى التعصب ورفض الآخر ظنًا منه أنَّه يدافع عن حقوق الله، بينما هو لا يستخدم أساليبه. في حدث ميلاد الرّبِّ يسوع، الذي نحتفل به، يبحث الله عنا من جديد. يبحث عن المختبئين خوفًا، وإليهم يرسل ملاكًا يقول لهم لا تخافوا، هاأنذا أبشركم بفرح عظيم. إنها رسالة قوية قادرة أن تكسر قيود الخوف. ثانيًا: ها أنا أبشركم بفرح عظيم …ولد لكم مخلص» (لو ٢: ١١) الهدية على قدر الشخص الذي يهديها، فماذا يا ترى يهدي الله غير ذاته؟! وهل هناك أروع من ذاته؟ هناك تمييز بين الغني والكريم والجوّاد فإذا كان الغنى هو مَن يمتلك الكثير، والكريم هو من يعطي مما يمتلك، فالجواد هو يعطي ذاته «هكذا أحب الله العالم حتّى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل مَن يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية» (يو 3: 16) الله يعطي ذاته لكي يخلصنا. مماذا يخلصنا ؟ يخلصنا من الخوف غير المبرر منه، إذ نكتشف عمق محبته للبشر، ولأننا نصبح أبناءه. يخلصنا من سلطان الشر وطغيانه، لأننا بنعمة روحه القدوس نهزم الشر بالخير «لا تدع الشر يغلبك بل أغلب الشر بالخير» (رو ٢١:١٢) فنكون اداة للسلام ونزرع الحب والغفران حيث الحقد والكراهية (صلاة القديس فرنسيس الأسيزي). يخلصنا من أنانيتنا، على المستوى الفرديّ والجماعي، التي تجعلنا نحوّل كُلّ حياتنا إلى حالة حرب دائمة ضدّ كل من نظن أنَّهُ يهدد سلامنا وسعادتنا. بينما “المحبة لا تعرف الحسد ولا التفاخر ولا الكبرياء، لا تسئ التصرف ولا تطلب منفعتها ولا تحتد ولا تظن السوء، ولا تفرح بالظلم بل تفرح بالحقَّ، المحبة تصفح عن كُلّ شيء وترجو كُلّ شيء وتصبر على كُلّ شيء، المحبة لا تسقط أبدًا” (1 كور 13: ٤-٧) لأن الله محبة، وهذا ما يتجلى في هذه الليلة بالذات. ثالثًا: الفرح يكون لجميع الناس هذا الفرح ليس حكرًا على أقليّة ولا على نسل معين من البشر، لأنَّه مقدَّم لجميع الناس دون استتثناء. ولكن أي فائدة من الملح إذا لم يختلط بالطعام؟ وأي فائدة من النور إذا تمت تغطيته؟ وأي فائدة من الخميرة إن لم توضع في العجين؟ كم نحنُ في حاجة إلى أن نعيد اكتشاف قوة وجمال هذه البشرى وهذا الفرح، فان الله يريد أن الجميع يخلصون وإلى معرفة الحقّ يبلغون، وهو يريد أن يمتلئ بيته في وليمة الخلاص. فكم من النفوس تموت
جوعًا ويسوع هو خبز الحياة، وكم من النفوس تموت من الظلمة ويسوع هو نور العالم، وكم من النفوس تموت من العزلة، والله يقول نعيمي أن أكون بين بني البشر. هذا الفرح العظيم، الذي أعلنه الملائكة منذ أكثر من ألفي عام للرعاة، هو لجميع الناس وعلينا نحنُ اليوم أنْ نعلنه ونشهد له بالحياة قبل الكلام وبالأفعال قبل الأقوال. أدعوكم في هذا المساء إلى أن نصلي ونفكر في مَن نقص عندهم هذا الفرح، من الآباء والأمهات الذين يعيشون في قلق من عدم قدرتهم أن يوفروا لأبنائهم حياة إنسانيّة كريمة. من المرضى الذين لا يجدون العلاج اللازم والرعاية الواجبة. من كبار السن الذين يعيشون في خوف من كونهم غير مفيدين لأحد بل يمثلون عبئًا حتّى على أقرب المقربين اليهم. نفكر ونصلي أيضًا من أجل الفرح الذي ينقص لدى الأجيال الشابة، فكم من خريجيين لا يجدون عملاً وكم من الأطفال ينشأون في أجواء عائلية غير مستقرة فيكونون ضحايا الصراعات. نفكر ونصلي من أجل كُلّ المهمشين والمعوزين واليائسين الذين يعيشون فيما بيننا. ليكن احتفالنا بعيد ميلاد الربّ يسوع مناسبة لاستعادة وزيادة الفرح الحقيقي الذي لا يعطيه إلاّ الله. وبدورنا نسعى أن نجسّده عمليًّا للآخرين. هذا هو المعنى الجقيقي أن يكون الفرح العظيم لجميع الناس والذي انطلق ليلة عيد الميلاد المجيد. خاتمة نرفع صلاتنا متحدين مع قداسة البابا فرنسيس الذي يجول على مثال معلمه يسوع يصنع خيرًا وينشر الفرح