على مائدة الطعام التي جمعت الرئيس الفرنسي ايمانوئيل ماكرون مع قياديات دينية مسيحية ضمّت كهنة ورهبانًا وراهبات، في كنيسة القديسة حنة في مدينة القدس الشريف، تحدّث الأب الدكتور جمال خضر، الكاهن في البطريركية اللاتينية، وكاهن رعية رام الله للاتين والأمين العام للمدارس المسيحية في فلسطين، وشارك به الأب إياد الطوال والفرير د. داود كسابري والأخت فريدا ناصر، وقال: “باسم الكنيسة في القدس وباسم المسيحيين، أقول لكم: اهلا وسهلا بكم في القدس، اهلا وسهلا في فلسطين!”.
وفي ما يلي النص الكامل لكلمة الأب خضر، كما وصلت لموقع أبونا وترجمها من الفرنسية إلى العربية:
فخامة السيد ايمانوئيل ماكرون
رئيس الجمهورية الفرنسية،
شكرًا لكم على هذا اللقاء، وعلى كل ما تفعله فرنسا للمسيحيين في المشرق وللمسيحيين الفلسطينيين. يرجع تاريخ دعم فرنسا لكاثوليك الشرق الأوسط، وبخاصة للبطريركية اللاتينية في القدس، إلى فترة طويلة، وما يزال هذا الدعم مستمرًا لغاية اليوم لخير مسيحيي الشرق وبقاء الكاثوليك في الأرض المقدسة.
أنا كاهن فلسطيني، من بطريركية القدس للاتين. لقد عشت 53 عامًا تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي. يرتبط مصير المسيحيين بمصير الفلسطينيين الآخرين الذين ما زالوا ينتظرون ذلك اليوم الذي يمكنهم فيه العيش بحرية في دولتهم المستقلة.
إن إنخفاض عدد المسيحيين هو مصدر قلق دائم. تشكّل هجرة المسيحيين خطرًا حقيقيًا، ليس على الكنيسة فحسب، إنما على الشعب الفلسطيني بأسره. تفعل الكنيسة ما هو ممكن للحفاظ على الوجود المسيحي، لا سيمّا من خلال التعليم. لدينا في فلسطين 70 مدرسة مسيحية وغيرها من المؤسسات التعليمية، وشبكة من المراكز لأكثر الفئات ضعفًا في المجتمع (الأيتام والمعوقين وكبار السن، وما إلى ذلك)، ناهيك عن المستشفيات والجمعيات التي تقدّم المساعدة الاقتصادية للمسيحيين.
على الرغم من عمل الكنيسة الضخم، والذي يتجاوز النسبة الصغيرة التي يمثلها المسيحيون، يبقى من الصعب إقناع الشباب بالبقاء في هذه البلاد. إن الاحتلال العسكري الإسرائيلي يجعل الحياة الفلسطينية لا تُطاق؛ حيث يعزل الجدار الفاصل الفلسطينيين عن أرضهم وعن غيرهم من الفلسطينيين، وما زال الاحتلال غير القانوني للأراضي الفلسطينية مستمرًا، ناهيك عن الكارثة الإنسانية في قطاع غزة نتيجة الحصار المستمرّ منذ 12 عامًا (ولا أحد يتحدّث عن ذلك!). لقد جعل هذا الحصار من غزة أكبر سجن في العالم تحت السماء! و انخفض عدد المسيحيين في غزة من 3500 شخص إلى أقل من ألف خلال هذه السنوات الـ12، وأصبحت الحياة في غزة مستحيلة.
أما القدس، المدينة المقدسة لثلاث ديانات، والمركز الوطني لشعبين، فإنها تعاني من الإقصاء: لم يعد للمسيحيين والمسلمين الفلسطينيين الحقّ في المجيء إليها للصلاة في الأماكن المقدسة. إننا نحتاج إلى تصريح من قبل السلطات العسكرية لممارسة حقنا في الوصول إلى الأماكن المقدسة. فعندما يعتبر شعب واحد المدينة عاصمة له، عندها يصبح الآخرون غرباء في مدينتهم.
فخامة الرئيس، عندما أعلنت السلطات يهودية الدولة، أصبح المسيحيون الذين عاشوا على هذه الأرض لأكثر من ألفي عام، أقليّة ضئيلة، وليسوا مواطنين على قدم المساواة مع الآخرين. إن مستقبل المسيحيين في الأرض المقدسة يعتمد على تطبيق مبادىء القانون الدولي وقيم الحرية والمساواة.
في هذه الأيام حيث يتم تذكار بأحداث الهولوكوست المروّعة، يتساءل المرء عن مسؤولية أولئك الذين التزموا الصمت في مواجهة أهوال المحرقة. آمل أن يجعلنا احياء هذه الذكرى ندرك أهمية التحدث علنًا عن جميع المظالم التي ارتكبت. فالصمت قد يكون مدانًا أحيانًا.
بعد المحرقة، يقول الجميع، ووجب عليهم القول: كفى! لا يجب أن تتكرّر! نعم لا يجب أن تتكرّر أبدًا.. ولا بحق أيّ شخص.
شكرًا لكم.