في مثل هذا اليوم من سنة 8 . ش ( سنة 392 م ) تنيح الأب المغبوط سراج البرية أب جميع الرهبان القديس العظيم الأنبا مقاريوس . ولد هذا القديس فى شبشير من أعمال منوف من أبوين صالحين بارين واسم أبيه القس إبراهيم ولم يكن له ولد فحدث في إحدى الليالي أن أبصر فى رؤيا شخصا من قبل الرب يقول له : ان الله سيرزقه ولدا يكون ذكره شائعا في أقطار الأرض ويرزق بنينا روحانيين وبعد زمن رزق هذا القديس ولدا فسماه مقارة آي الطوباوى وكان مطيعا لوالديه وحلت عليه نعمة الله منذ صغره . ولما كبر زوجه والداه بغير أرادته فتظاهر بالمرض أياما ثم استسمج أباه أن يمضى إلى البرية لتبديل الهواء فسمح له ، فمضى وصلى إلى الرب يسوع أن يساعده علي عمل ما يرضيه فلما صار في البرية أبصر رؤيا كأن كاروبا ذي أجنحة ثم أمسك بيده وأصعده على رأس الجبل وأراه كل البرية شرقا وغربا وشمالا وجنوبا وقال له أن الله قد أعطاك هذا الجبل ميراثا لك ولبنيك من بعدك ولما عاد من البرية وجد زوجته قد ماتت وهي بعد عذراء فشكر السيد المسيح كثيرا وبعد ذلك مات أبواه فوزع كل ما خلفاه له علي المساكين ورأى أهل شبشير طهره وعفافه فأخذوه إلى أسقف أشمون فرسمه قسا عليهم وبنوا له موضعا خارج البلد وكانوا يأتون إليه ويتقربون منه وعينوا له خادما ليبيع له شغل يديه وقضاء ما يحتاج إليه
ولما رأى الشيطان سموه في الفضيلة جلب عليه تجربة شديدة وذلك أنه أوعز إلى فتاة كانت قد ارتكبت شرا مع شاب بأن تدعى أن القديس مقاريوس هو الذي أتى معها هذا الشر . فلما علم أهلها بذلك أهانوه وضربوه ضربا موجعا فتحمله وهو صامت . ولما داهم الطلق هذه الامرأة لتلد لبثت أربعة أيام معذبة ولم تلد حتى اعترفت بكذبها علي القديس وذكرت اسم الشاب الذي أغواها .
فلما رأى ذلك أهل الفتاة رجعوا إليه يستغفرونه عما حصل منهم له . فهرب منهم للابتعاد عن مجد العالم وكان له من العمر وقتئذ 30 عاما وأذ فكر في نفسه ألا يعود إلى قريته ظهر له ملاك الرب وسار معه يومين حتى وصلا إلى وادي النطرون ثم قال له القديس ” حدد لي يا سيدي مكانا أسكن فيه ” فأجابه : ” لا لئلا تخرج عنه فيما بعد فتكون مخالفا لقول الرب . بل البرية كلها لك فأي موضع أردت أسكن فيه ” . فسكن في البرية الداخلية حيث الموضع الذي فيه دير القديسين مكسيموس ودوماديوس وهو المعروف الآن بدير البرموس
ولما ذهب لزيارة القديس أنطونيوس قال عنه حينما رآه ” هذا إسرائيلي حقا لا غش فيه ” ثم ألبسه الاسكيم المقدس وعاد مكانه ولما تكاثر عنده الاخوة بنى لهم كنيسة حسنة . وذاع صيته وسمع الملوك بكثرة العجائب التى كان يعملها وظهر له ملاك الرب وأتى به إلى رأس الجبل عند البحيرة الغربية المالحة الماء وأعلمه أن يتخذ له هذا المكان مسكنا وبنى له قلاية وكنيسة لأن شعبا كثيرا سيجيء إليه (1) وهو المعروف الآن بدير القديس مقاريوس
وظن يوما أن العالم خلا من الناس الأتقياء فجاءه صوت من السماء قائلا : اعلم أن هناك امرأتين في مدينة الإسكندرية تخافان الرب ” فتناول عصاه وزاده وقصد إلى الإسكندرية وسأل حتى وصل إلى منزلهما فلما دخل رحبتا به وغسلتا قدميه بماء دافئ ولما سألهما عن سيرتهما قالت له إحداهما : لم تكن بيننا قرابة جسدية . ولما تزوجنا هذين الأخوين طلبنا منهما أن يتركانا نترهب . فلم يسمحا لنا . فعاهدنا أنفسنا أن تقضى حياتنا بالصوم إلى المساء والصلاة الكثيرة وقد رزقت كل منا بولد متى بكى أحدهما تحتضنه الأخرى وترضعه حتى وان لم يكن ولدها ونحن في عيشة واحدة . وحدة الرأي رائدنا والاتحاد غايتنا وعمل زوجينا رعاية الغنم . ونحن فقراء نكتفي بقوت يومنا وما يتبقى نوزعه علي الفقراء والمساكين ” فحينما سمع القديس هذا الكلام هتف قائلا ” حقا ان الله ينظر إلى استعداد القلوب ويمنح نعمة روحه القدوس لجميع الذين يريدون أن يعبدوه ” . فودعهما وانصرف راجعا إلى البرية
وكان في أوسيم راهب أضل قوما بقوله انه لا قيامة للأموات فحضر أسقف أوسيم إلى القديس مقاريوس وشكا إليه أمر هذا الراهب فذهب إليه ولم يزل به حتى أرجعه عن ضلاله وفي يوم نياحته رأى القديسين أنطونيوس وباخوميوس وجماعة من القديسين والملائكة وأسلم الروح بالغا من العمر سبعا وتسعين سنة
وكان قد أوصى تلاميذه أن يخفوا جسده ولكن قوما من شبشير آتوا وسرقوا جسده وبنوا له كنيسة ووضعوه بها حوالي مائة وستين سنة إلى أيام مملكة العرب وبناء القلالى حيث أرجعوه إلى ديره
وقد ورد في مخطوط بشبين الكوم أن القديس ببنوده تلميذه رأى نفس الصديق عند صعوده إلى السماء ، والشياطين يصيحون خلفه قائلين : ” قد غلبتنا يا مقاريوس ” فأجابهم : ” لم أغلبكم بعد ” فلما وصل باب السماء صاحوا ثانية : ” قد غلبتنا ” . فرد عليهم كالأول . ولما دخل باب السماء صاحوا : ” قد غلبتنا يا مقاريوس ” فقال لهم : تبارك الرب يسوع المسيح الذي خلصني من أيديكم “.صلاته تكون معنا . آمين