1 – نعيش نحن البشر زمناً استثنائياً ، يحتاج فيه الإنسان إلى أن يجلس إلى نفسه ، الوباء يتسرب إلى كل مكان يحمل علامات الموت ، يثير خوفاً يحيط بنا ، لقد غبر من أسلوب معيشتنا ، وفي أحيان كثيرة لم نعد كما كنا نستمتع كثيراً بحياتنا ، نبتسم كثيراً ، ننصت إلى الألحان الجميلة ، كنا نعيش في غير رعب الموت والألم والفراق ، أضحينا نصحو كل صباح على أمل كشف سر هذا الوباء وتحقيق نصر عليه لاكتشاف اللقاح الأمل ، والألم ، والصمت ، والحيرة ثمار هذا الوباء .
* * * * *
2- ومن أعجب الأمور أننا نعيش قبل تسرب الوباء دون أن يخطر لنا على بال أننا محاطون بثمانية أنواع من الأوبئة القاتلة مثل الأيبولا ، الملاريا ، هكذا صرحت منظمة الصحة العالمية ( O.M.S ) وأنذرت العالم بالمخاطر المحيقة به سنة 2018 ، أدرك ذلك رؤساء الدول بما يملكون من علوم ، ومال ، وسلاح ، ولكنهم في أغلب الظن ، اعتقدوا أن الأوبئة ستغزو عالم الشعوب الفقيرة الضعيفة التي تغلب فيها الأمية ، لم يخطر لهم على بال أن “كورونا” سيغزو الدول من أكبرها وأقواها إلى أصغرها وأضعفها بل سيغزو جيوشهم وبوارجهم واعتقدوا أنهم في حصن منيع من الحضارة والرقي .
* * * * *
3 – لم ينتبه كثيرون من البشر ، أن عناك أوبئة لا تقل خطورة وضرراً للإنسان عن وباء كورونا ألا يوجد وباء أخلاقي يدمر أجمل ما في سيرة البشر القيم الإنسانية الروحية ، وباء يقتل نبض الإيمان بالخالق ويحول الإنسان إلى حزمة غرائز فتفقد الإنسانية معنى وجودها وكرامتها وتفقد الحياة جوهر معناها ، وباء الإلحاد يستشري وكأن هذا الكون بمليارات كواكبه ونجومه وقوانينه وهذه الطبيعة بأنواع الجمال فيها وهذا الوجود المزدحم بالحركة ، هل يوجد عاقل أو صاحب منطق يقول بأن ذلك كله يسير دون عقل إلهي يمسك بزمامه ، وهو الحي القيوم ، مطلق الكمال والجمال والحب والرحمة .
بالرغم من أن علماء عظاماً أكدوا بأن البحث عن الله هو في صميم جينات الإنسان ومنهم عالم البيولوجية ألبير دي لوناي وأنه انتحار للإنسان أن يقتل نبض الإيمان ففي ذلك دمار للإنسان وموته روحياً ، وباء آخر اشتدت وطأته في السنوات الأخيرة وهو العبث بقوانين الطبيعة ، والجسد ، باسم العلم والإبداع وهما هبة رائعة من الخالق العقل الأعظم والمبدع الأعظم ، نعم ، نعم لكل ما ينفع الإنسان ، وكلا وألف كلا لعلم يدمر نظام الخالق في الطبيعة أو في جسد الإنسان ، أنها سيمفونية واحدة الكون والطبيعة والوجود ، وإنما الإنسان أمين عليها وحارس لها ، وكل عبث أو إخلال بهذه النظم الإلهية إنما هو دمار للإنسان وحياته ، لم يتعظ العالم من الحرب العالمية الأولى سنة 1914 والثانية بعد ربع قرن سنة 1939 راح ضحية ذلك الجنون البشري مئات الملايين ولا ننكر ما قام به تضامن البشر والخوف من تكرار الحروب عقب هذه الحروب فقد أحصت الأمم المتحدة أكثر من ملياري إنسانٍ خرجوا من دائرة الفقر وبخاصة في الفترة ما بين سنة 1980 وسنة 2000 فأنتعش الأمل في سلام دائم وحياة أفضل ولكن لم تتصل هذه الجهود الرائعة لأسباب كثيرة وحدثت الهزة الاقتصادية العالمية سنة 2008 بعد انطلاق ما عرف بالعولمة وغلبت الأنانية على الحكومات فلم تلتفت إلى مستقبل البشرية بل راحت تزداد ثراء وترفاً برغم تحذيرات المفكرين من خطر سيادة “الفردية الدولية” واشتعلت نيران التطرف والتعصب واحتقار الفقير والضعيف ، وأعطت الدول الكبرى والدول الغنية ظهرها للأمم الفقيرة ، فهل نأخذ درساً من محنة كورونا ونقتنع بأن البشر أسرة واحدة وتضامن الشعوب هو مفتاح الأمن والسلام .
* * * * *
4 – من السذاجة أن يصدق العالم أن كورونا وباء فاجئ البشر أو أنه تسربت إلى أطراف الأرض صدفة ، فليس في العلم أو الوجود أمر أسمه “صدفة” ، وأحد علماء البيولوجية وهو الفرنسي البير دي لوناي Albert De Launay قد أكد سنة 1985 أن العلم قد اكتشف كل شيء عن حياة وتطور البكتريا والفيروس ، وهذا يشرح لنا تراشق التهم بخصوص الوباء بين الدول التي بدأت تستيقظ من هذا الكابوس ، وأعلنت تحديها له وفتحت خزائنها للبحث عن لقاح ينقذ الإنسان منه ، وأكد أهل التخصص بأن البشرية تحتاج إلى تسعمائة مليار من الدولارات أمر لا تستطيع دولة وحدها أن تحمل عبئه وأضحت هذه الدول في مفترق الطرق ، إما التضامن والتكتل ، والتنازل عن كثير من البذخ والكف عن تكديس السلاح المدمر لدفع هذا الدين المستقبلي وإما سيظل العالم كما عبر الشاعر ” وإذا الدنيا كما نعرفها” ويعبر العالم الكارثة وينسى مآسيها كما نسى مآسي وخطايا القرن 19 ، والقرن 20 ، وتمتد آلام البشرية وتتعمق أحزانها ، لكننا نثق في قدرة الإنسان وعلمه وعقله وتكاتف الأجناس والأمم لصياغة عالم جديد وإنسان جديد ويمكن الإشارة إلى بعض الأمور التي تخص المستقبل وعلى العالم أن يتبناها :
أولاً : يجب أن تنشأ “ثقافة إنسانية” شاملة في كل مراحل التعليم وعند الشعوب كافة ، ينبغي إزاحة عقلية القرن 18 / 19 عقلية الاستعمار والتفوق لجنس على آخر ، وثقافة القرن العشرين التي قامت على أساس أن القوة والسلاح هما لردع الإنسان الآخر ، والمال في خدمة المتعة العابرة والعلم وأسراره حكر على بعض الأمم ، برغم أن النهضة منذ القرن 15 وأن كل ثورة نادت بوحدة الجنس البشري في الحقوق والواجبات .
ثانياً : أننا لا نحلم بالمدينة الفاضلة التي حلم بها أفلاطون وأغسطينوس والفارابي ، بل ننشد قيام مجتمع إنساني لا يقسم البشر إلى فئات دينية أو مذهبية أو طائفية وهذا لا يعني اسقاط تراثنا ومجد حضارتنا القديمة أو تمسكنا بخبراتنا الإيمانية والروحية بل معناه أن نبدأ إنسانية جديدة ، تحترم كل إنسان ، وكل ثقافة ، وكل عقيدة ، دون صراعات وحروب ، وأني اعتقد أن العالم قد مل الحروب وسفك الدماء ونبذ الكراهية ورفض التنوع والتعددية كقانون إلهي وسنة كونية فهل تكون نهاية مأساة كورونا نقطة انطلاق ومخاضاً لمولد إنسانية جديدة ، أن عمار الدنيا ، والنهوض بحضارة جديدة والحفاظ على الإنسان والحياة والأرض ، وقد احتفل العالم بيوم الأرض يوم الأربعاء 22 / أبريل / 2020 فالأرض هي البيت المشترك الذي نعيش فيه كعائلة بشرية واحدة وفي التنوع البيولوجي مع مخلوقات الله أخرى . ألق نظرة على سطح الكرة الأرضية لترى كم من الخلل أصاب بيتنا الأرض فهل يكف البشر عن الأنانية ، هل تولد إنسانية جديدة مترابطة متوحدة متسامحة ، نحن البشر نحمل أمانة الحياة والأرض لا ينبغي أن ندمرها أو أن نعيث فيها فساداً فالأرض أيضاً ملك لله الخالق تبارك وتعالى .