منذ قرون بعيدة تخلى شاب صغير عن كل أملاكه ومضى فى الأرض يحقق مشيئة الله فى حياته واصبح اب رهبان العالم هو القديس الانبا أنطونيوس .. وفى القرن العشرين وبالتحديد عام ١٩١٨ كان هناك شابا فى العشرين من عمره ايضا ورث عن أبيه أرضا هذا مقدارها .. هذا الشاب خرج من مصر وذهب الى ألمانيا ليدرس علوم الزراعة ولكنه تخلى عن ذلك لان كان هناك حلما يسكنه .. هو الشاب راغب مفتاح المولود عام ١٨٩٨ من أسرة قبطية عريقة خرج منها أراخنة ومعلمين .. ذهب كأبناء جيله الأثرياء للخارج للتعليم وهناك قرر ان يدرس الموسيقى القبطية وفتن بها وتعدى الأمر مرحلة الدراسة الى التكريس الكامل وتقديم الحياة والجهد والمال فى سبيل تخليد اقدم تراث دينى موسيقى فى العالم ولم يكن الطريق سها او ممهدا خصوصا وان الكنيسة فى ذلك العصر كانت تعانى من بقايا ضعف القرون المظلمة ومازالت تخطر الخطوات الأولى فى طريق النهضة .. اما راغب فقد بدأ مشروعه الأكبر وهو جمع الألحان القبطية من كل أنحاء مصر من المعلمين الكبار والعرفان وبعدها بدا فى تنقيتها مما دخل عليها من الإضافات الفردية والتغريب عن اللحن الأصلي عن طريق المقارنة بين أداء المعلمين من كل مكان وبعد ان تم ضبط اللحن كان المهمة التالية تسليمه الى المرتلين وبعدها كان لابد من التسجيل حتى لا يضيع هذا التراث العريق .. العمل الذى قام به راغب مفتاح واستغرق نحو ثمانين عاما من عمره المديد كان عمل مؤسسي يحتاج الى عشرات الأفراد للقيام به ولكنه قام بذلك وحده مدفوعا بنعمة إلهية وتم حفظ هذا التراث المجيد فى أكبر مكتبة بالعالم وهى مكتبة الكونجرس استقدم راغب مفتاح من جامعات العالم أكبر أساتذة الموسيقى وتكفل بكافة نفقاتهم فى مصر لعدة أعوام لكى يتمم عمله وفى عام ١٩٥٤ كان من المؤسسين لمعهد الدراسات القبطية وتولى قسم الألحان القبطية وأسس خوري قوى استعان به فى تسجيل الألحان وبعد عدة أعوام قام راغب بعمل فريد من نوعه لأول مرة فى تاريخ الكنيسة القبطية وهو وضع النوتة الموسيقية للقداس الباسيلى وهو عمل عالمى وقد قام بطبعه بالعربية والقبطية والانجليزية ونشرته الجامعة الأمريكية بمصر وبعد ان تعدى المئة عام من العمر كان يريد ان يسجل القداس الكيرلسى والغريغوري .. عاش مكرسا حتى بلغ ال ٦٥ من عمره ولم يشغل باله سوى خدمة الكنيسة القبطية ولكنه تزوج بناء على رؤيا إلهية لكى يجد من يرعاه وعاش مع زوجته الفاضلة فى بتولية كاملة وكانت خير معين له فى الأربعين عاما الأخيرة من عمره بعد مرض قصير تنيح أستاذنا راغب مفتاح فى ١٨ يونيو ٢٠٠١ عن عمر ١٠٣ عاما ومثل الانبا أنطونيوس لم تكل حواسه ولا عيناه ولم تنضب ذاكرته
وهو الان فى الفردوس يسمع ألحانا لم يسمعها هنا على الأرض ويتعلم نغمات جديدة لا يعرفها أهل ارض الشقاء بركة صلاته وتعبه فلتكن معنا أمين