ونحن نجتمع في هذا الصباح المبارك وفي حضور كل الآباء الأحباء الأحبار الأجلاء وآباء الدير العامر والآباء الكهنة وعدد من أسرة مثلث الرحمات الأنبا صرابامون, نجتمع في التذكار الأول لنياحته, والكلام عن الأنبا صرابامون لا ينتهي, وأريد أن احدد كلامي في ثلاث صفات رئيسية كنت أراها فيه.
نلت نعمة الرهبنة في هذا الدير العامر وتتلمذت على يد المتنيح الأنبا صرابامون فهو الذي استقبلني
١- الصفة الأولى: نجد فيه رائحة البرية:
البراري المقدسة في مصر لها حضور وانطباع خاص في نفوسنا وحياتنا وتاريخنا. الآباء الأوائل جعلوا من براري مصر الحبيبة واحات للصلاة, وتقدست البرية بصلواتهم ونسكياتهم وبسيرتهم وحياتهم ومعيشتهم في هذه البراري, مثل برية شهيت, واستقت الحياة الرهبانية أصولها من الكتاب المقدس وتقاليد الآباء والتقاليد النسكية واستمرت من جيل إلى جيل, واستمرت أديرتنا عامرة مثل هذا الدير وأديرة كثيرة أخرى وجاء زمن ترهب فيه الأنبا صرابامون سنة 1959 أكثر من ستين سنة, وجاء من أقاصي الصعيد ليترهب شابا صغيرا هنا مسوقا بدعوة داخلية, وترهب في دير السريان وجاء ليعيش كما عاش الآباء من قبل, واختارته النعمة أن يكون أسقف ورئيس لهذا الدير.
2- الصفة الثانية: مريح للتعابى:
وقال له قداسة البابا شنودة في إحدى المرات “يجب أن تضع على باب قلايتك يا أنبا صرابامون ” تعالوا إلي يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال, وأنا أريحكم “(مت 11: 28) وهذه الصفة لها أكاليل كبيرة جدا في السماء, لأن مريح التعابى صورة من صور التخلي عن الذات , كان يرحب بكل من يأتي إليه وبرائحة البرية التي يحملها يحمل أيضا قلبا مريحا لكل أحد وكثير منا اختبروا هذا , وهذه نعمة كبيرة, ويوجد في هذا الدير العامر آباء من أديرة أخرى ورحب بهم نيافة الأنبا صرابامون وأفسح لهم مكانا ليس في الدير فقط بل في قلبه , مريح التعابى صفة أصيلة في أنبا صرابامون وجدناها على مدار عشرات السنوات التي كان يقود فيها هذا الدير , وله عمل واسع في الكنيسة القبطية.
3-الصفة الثالثة: كان إنسانا مصليا وعميق الإيمان
كان يترك الأمور على الله “طلبة البار تقتدر كثيرا في فعلها” (يع 5: 16), كان شخصا يحمل الإيمان وكما نقول في القداس عن الأديرة “الساكنين فيها بإيمان الله” ومواقف كثيرة حلها بروح الإيمان والصلاة, كان محبا للصلاة جدا, ونتذكر مع الآباء ليالي شهر كيهك عندما كان يجتمع بنا نحن الرهبان ويحضر معنا التسبحة وكان حضوره سبب بركة في وسطنا, ونتذكر أسبوع الآلام بصلواته الكثيرة وكل المناسبات, هو إنسان مصلي يعرف أن الصلاة هي التواصل مع السماء وأن السماء لديها حلول كثيرة وأن الصلاة هي التي تمنح الإنسان قوة حقيقية في حياته, وكان يجلس مع الكهنة المرسومين حديثا عندما يقضوا في الدير فترة الأربعين وكان يتكلم معهم ويجاوب على أسئلتهم وبأجوبة بسيطة ولكن مليئة بروح الإيمان, كان هو أب اعترافي كراهب في الدير ولآخر وقت قبل انتقاله, وعندما اختارنا الله لهذه المسئولية جلست معه وكان يرد بآية واحدة “كل شيء به كان, وبغيره لم يكن شيء مما كان “(يو 1: 3). ويكررها ولم يكن لديه إجابه ولكن عنده اختبار, وكلما أتعرض لمواقف فيها تعب أتذكر هذه الآية وأجد فيها حلا وشفاء وراحة.
نحن نتذكر في هذا اليوم رحيل هذا الأسقف المبارك منذ عام, ونحن نؤمن أن الكنيسة على الأرض مرتبطة بالكنيسة في السماء, هو حاضر الآن يسمعنا ويصلي من أجلنا ويتشفع من أجل حياتنا ونحن نثق في هذا جدا, وما حضور الآباء الأجلاء واهتمامهم وحضور الآباء الرهبان والكهنة والشعب إلا عرفانا بجميل هذا الإنسان الذي وضعه الله في مسيرة حياتنا لكي ما يعلمنا ونتتلمذ على يده ونمتص منه الحياة الروحية السليمة في كنيستنا القويمة, نتذكره بكل خير ولا نتذكر بحزن كالباقين الذي ليس عندهم رجاء ولكن نتذكر بفرح, أنه صار لنا هذا الإنسان مصليا من أجلنا لأنه عارف بأحوالنا وصار لنا صله أقوى بالسماء بالأحباء الذين سبقونا, نحن نشكر الله الذي يعطينا كل هذه النعم فعندما يضع الله في مسيرة حياتك إنسانا فاضلا هذه نعمة كبيرة جدا (نعمة الوفاء) أن تكون وفي لمن وضعهم الله في حياتك والله استخدمهم لكي ما يكون لك نصيب وتصير بالصورة الحلوة التي أنت عليها اليوم.
نشكر إلهنا الصالح وباسم كل الآباء الحاضرين معنا نعزي نفوسنا جميعا وآباء هذا الدير ونفرح باختيار الأسقف الجديد نيافة الأنبا أغابيوس وهو تلميذ على مدى عشرات السنين لمثلث الرحمات الأنبا صرابامون, ويستمر في قيادة هذا الدير بالروح الآبائية الناجحة, يباركنا مسيحنا أيها الأحباء بكل بركة روحية ويعطينا أن تكتمل أيام حياتنا بسلام ويعطينا النهاية الحسنة ونعيش مرضيين أمامه ونتخلى عن ذواتنا ونجاهد في ههاية الحسنة ونعيش مرضيين أمامه ونتخلى عن ذواتنا ونجاهد في هكأنا سبيل ونعيش لإلهنا كل مجد وكرامة من الآن وإلى الأبد آمين.