سوف يسأل الديان العادل كل إنسان “أَعْطِ حِسَابَ وَكَالَتِكَ”؟ لأن الحياة هي الإجابة عن هذا السؤال، فالحياة استعداد وامتحان بامتداد أعمارها لإجابة هذا السؤال.
عندما علم وكيل الظلم أن سيده اكتشف عدم أمانته، بدأ يسأل الناس المديونين لسيده كم الديون التي عليهم وطلب منهم تدوين مديونية أقل من تلك المطلوبة منهم ويقول الكتاب: ” فَمَدَحَ السَّيِّدُ وَكِيلَ الظُّلْمِ إِذْ بِحِكْمَةٍ فَعَلَ”.
وهذه الكلمة صعبة في موقعها “مدح” لأن عدم الأمانة لا تٌمدح، ولكن مدح إداريًا على تفكيره ولم يمدحه أخلاقيًا على سلوكه.
لذلك قيل “اَلأَمِينُ فِي الْقَلِيلِ أَمِينٌ أَيْضًا فِي الْكَثِيرِ”.
فالله يدير هذه الحياة من خلال قوانين حتى تنظم شئون الحياة.
فالأبدية لها قانون: مذكور في سفر نهاية الرؤيا “كُنْ أَمِينًا إِلَى الْمَوْتِ فَسَأُعْطِيكَ إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ” (رؤ ٢ : ١٠).
“كُنْ أَمِينًا إِلَى الْمَوْتِ” يقصد بها أمانته على الأرض، “فَسَأُعْطِيكَ إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ” ويقصد بها السماء. “كُنْ” صفة شخصية فردية وممتدة إلى الموت.
وأهم ما يتسم به قانون الأبدية:
أولًا: الأمانة في الفكر، الله أعطى الإنسان الفكر ليميز به عن سائر المخلوقات، فصار أول ملامح الأمانة للإنسان أن يكون عقله نقي وأمين.
مثل قول داود النبي “خَبَأْتُ كَلاَمَكَ فِي قَلْبِي لِكَيْلاَ أُخْطِئَ إِلَيْكَ (مز ١١٩ : ١١). لذلك نقرأ سير القديسين والكتاب المقدس، “لأَنَّ كَلِمَةَ اللهِ حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ، وَخَارِقَةٌ إِلَى مَفْرَقِ النَّفْسِ وَالرُّوحِ وَالْمَفَاصِلِ وَالْمِخَاخِ، وَمُمَيِّزَةٌ أَفْكَارَ الْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ” (عب ٤ : ١٢). كلمة الله عندما تدخل في ذهنك وفكرك تجعل لك فكرًا نقيًا.
ثانيًا: الأمانة في القول، أكثر نشاط نفعله يوميًا هو الكلام، فلابد أن يكون كلامك مُملح بملح، ويكون كلامك سند وبناء وإيجابي، مثل قول داود النبي (مز ١٩ : ١٤).”لِتَكُنْ أَقْوَالُ فَمِي وَفِكْرُ قَلْبِي مَرْضِيَّةً أَمَامَكَ يَا رَبُّ”
ويقول داود النبي أيضًا “ضع يا رب حافظًا لفمي، وبابًا حصينًا لشفتيّ” (مز ١٤١ : ٣). بالرغم أن داود نتعلم منه المزامير والتسابيح، “لأَنَّكَ بِكَلاَمِكَ تَتَبَرَّرُ وَبِكَلاَمِكَ تُدَانُ” (مت ١٢ : ٣٧) لأن كل كلمة ستُحاسب عليها وفي معاملاتك في الخدمة والمجتمع والأسرة.
ثالثًا: الأمانة في الأفعال، كُن أمينًا في أفعالك، وفي مسؤولياتك، أن تُنَشِّئ بيتك وتربية أولادك في النعمة، حتى في عملك وخدمتك مهما كان مسؤولياتك بسيطة أو كبيرة لابد أن تشملها الأمانة.
كُن أمين في كل خطوة من خطواتك، “كُنْ أَمِينًا إِلَى الْمَوْتِ فَسَأُعْطِيكَ إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ” (رؤ ٢ : ١٠).