لنفتح صفحة سنة جديدة، نستقبلها حاملين في قلوبنا نبضات الأمل والرجاء أن تكون ممتلئة بكل الخير والبركات من عند الله صانع الخيرات.
ومع كل نهاية وبداية، يحتاج كل منا أن يجلس إلى نفسه، في مراجعة لما مر به السنة الماضية، متعلمًا أن يضعها، بل يضع أيام العمر، بين يدي الله أولاً ليملئه بالسلام والبركات، ثم يضع نصب عينيه أهدافه وآماله وأحلامه وطموحاته التي يبغي تحقيقها بمعونة الله. وقبل أن نودع 2021، يغمرني الأمل والرجاء في الله أن تكون سنة الحكمة؛ تلك الحكمة التي مدحها الكتاب: “خير من اللآلئ، وكل الجواهر لا تساويها.”. وما أسعد الإنسان الذي يجد الطريق إلى الحكمة الحقيقية التي مصدرها الله!فهو ـ تبارك اسمه ـ الحكيم وحده كما يخبر الكتاب: “ومَلِك الدُّهور الذي لا يَفنَى ولا يُرى، الإلٰه الحكيم وحده، له الكرامة والمجد إلى دهر الدُّهور. آمين.”؛ لذٰلك من رغِب أن يكون حكيمًا، فعليه أن يطلب إلى الله الذي يهب حكمته بسخاء ولا يعيِّر.
لٰكن علينا أن نفرق بين الحكمة الأرضية التي كثيرًا ما تتسم بالغيرة والتحزب والتشويش وكل أمر رديء – مقتربةً من الدهاء أو الذكاء الشرير، وقد تأتي بنتائج باهرة بادئ الأمر وبمرور الزمن يُكتشف أنها مؤقتة لا تحقق مكاسب حقيقية – وبين الحكمة الحقيقية التي تتسم بالطهارة والسعي نحو السلام، الممتلئة بالترفق والرحمة تجاه كل إنسان، وفي النهاية نتائجها صالحة للكل.
وتبدأ حكمة الإنسان مع ذاته، في اختياره لأهدافه في طريق الحياة، فتتسق أهدافه – غايةً وأسلوبًا – ومبادئ المحبة الإنسانية التي إن عشنا في ظلالها لَعرَفنا معنى السلام والأمن. وحين يختار الإنسان أهدافه بحكمة، فعليه أن ينتقي أيضًا وسائلهعلى المستوى نفسه منالحكمة. فكم من أهداف نبيلة تَبدَّد نُبلها وسط طرق ووسائل غير حكيمة لتحقيقها! ولنكُن حكماء أيضًا فيما نملكه من وقت، فإنناجميعًا نملك حياة واحدة لن تتكرر؛ لذٰلك فلندقق في كل لحظة: كيف نحياها؟ أنستثمرها؟استثمارنا في البناء، أم الهدم؟ في السلام، أم الحرب؟ في الخير، أم الشر؟ في المحبة، أم البُغضة؟ إن اختياراتنا لتصنع كل فروق حياتنا ومنعطفاتها،وعلينا أن نُدرك أن نوع الاختيارينبع من المبادئ التي انتهجها كل شخص لنفسه؛ لذٰلك تُعد كل سنة جديدة فرصة لكي تراجع النفس أفكارها ومبادئها، ومدى اتساقها ومبادئ الرحمة والحق والعدل والمحبة.
ومن يطلب الحكمة يختار بعناية من يسير الطريق معه. فاختيارات الإنسان لرُفقتهوأصدقائه تؤثر حتما في مسيره؛ ولهٰذا يعلِّمنا الحكيم:“المُساير الحكماء يصير حكيمًا، ورفيق الجهال يُضَرّ.”؛ لذا من يسعى للحكمة عليه أن يُحسن اختيار مساعديهعلى التفكير الحكيمإزاء دُروب الحياة ومشكلاتها،أولٰئك الذين يبُثون طاقة إيجابية تعين على اتخاذ القرارات الصائبة في أوقاتها المناسبة لئلا تتعثر خطواته. ومع اختيار طريقك،تختار كلماتك ومواقفك بحكمة وبدقة شديدة؛فتبدو واضحةمناسبة للموضوع الذي تتحدث فيه، ومؤثرة في سامعك؛ ولا مانع أن تأخذك حكمة التفكير العميق قبل أن تنطلق كلماتكبالنصح أوالإرشاد. وفي سنة جديدة، نحتاج أن ندرب أنفسنا على الاستماع أكثر مما نتحدث، فالاستماع يُكسب الإنسان صفات عديدة تَزيده حكمة:كإدراك أبعاد الموضوع،والفَهم الأعمق للمواقف والمشكلات؛ وهٰكذا مع الوقت والتمرن على الاستماع يمتلك الإنسانالقدرة على التفكير العميق وحسن الحكم على الأمور.
كل سنة وجميعنا بخير، مصلين إلى الله أن تتمتع بلادنا فيها بمِلء الرخاء والسلام، ويرفع الجائحة عن العالم. و… والحديث في “مصر الحلوة” لا ينتهي!
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ