«وكان خرابًا عظيمًا!!» للانبا ارميا

اهتم «الصالح» بجمع الأموال وقتل كبار رجال الدولة للتخلص من منافسيه، فاستبد بالحكم وجعل لولاية الأمراء أسعارًا، ولا تزيد مدة الولاية عن ستة أشهر، ما تسبب في أضرار كبيرة للرعية. كذلك فرض سلطانه على القصر حتى سبّب كثيرًا من المتاعب للناس. وقد سعت عمة «الفائز» الذي كان في كفالتها إلى قتل «الصالح»، لكن محاولتها باءت بالفشل، بل إن «الصالح» قتلها وأودع كفالة «الفائز» إلى عمته الصغرى.

ويذكر بعض المؤرخين أن «الصالح» كان يجالس الأدباء ليالى كثيرة، وأنه قرض الشعر، لكن قيل إن كثيرًا منه كان عن شاعر يصحبه يُسمى «ابن الزبير» الملقب بـ«القاضى المهذب»، ومنه:

كَمْ ذَا يُرِينَا الدَّهْرُ مِنْ أَحْدَاثِـهِ عِبَرًا وَفِينَا الصَّدُّ وَالْإِعْرَاضُ

نَنْسَى الْمَمَاتَ وَلَيْسَ نُجْرِى ذِكْرَهُ فِينَا فَتُذْكِرُنَا بِهِ الْأَمْرَاضُ

ومن الأحداث في أيام الخليفة «الفائز»، وقوع زلازل عظيمة بأغلب بلاد «الشام» أهلكت كثيرين، فيذكر «ابن تَغْرى»: كانت زلازل عظيمة بـ«الشام» و«حلب» و«حَماة» و«شَيْزَر» وغالب بلاد «الشام» والشرق، وهلك خلق كثير. حُكى أن معلمًا كان بـ«حماة» في كُتّاب، فقام من المكتب يقضى حاجة، ثم عاد وقد وقع المكتب على الصبيان فماتوا بأَسرهم!!، والعجب أنه لم يأتِ أحد يسأل عن صبى منهم، بل جميع آبائهم ماتوا أيضًا تحت الهدم في دُورهم!!.

ووقعت أبراج «قلعة حلب» وغيرها، وهلك جميع من في «شَيْزَر» إلا امرأة واحدة وخادم. وساخت (غاصت في الأرض) «قلعة فامِيَة»، وانشق «تل حَرّان» نصفين، وظهرت فيه بيوت وعمائر قديمة. وانشق في «اللاذقية» موضع ظهر فيه صنم قائم في الماء، وخرِبت «صيداء» و«بيروت» و«طرابلس» و«عكّا» و«صُور» وجميع قلاع الفرنج.

وكان ذلك عام 552هـ (1157م). كذلك تعرضت «بغداد» للغرق عام 554هـ (1159م)، فيذكر «ابن الأثير» أن المد أقبل إلى البلد، وامتلأت الصحارى وخندق البلد بمياه فهدَّمت السور وأغرقت أماكن كثيرة في «بغداد»، وأسقطت مبان كثيرة ومحالّ وبعض المقابر، فكان خراب البلاد عظيمًا. وفى العام نفسه، الذي تُوفى فيه «الفائز»، تُوفى الخليفة العباسى «المقتفى بالله» وتولى من بعده «المستنجد بالله». وظل «الصالح» ممسكًا بأمور الحكم حتى تُوفى الخليفة «الفائز» عام 555هـ (1160م)، بعد أن قضى في الحكم قرابة ست سنوات وبضعة أشهر، ومن بعده تولى «العاضد بالله» ابن عمه.

«العاضد بالله» (555- 567هـ) (1160- 1172م)

هو «أبومُحمد عبدالله بن يوسُف بن الحافظ»، لُقب بـ«العاضد بالله»، وهو الحادى عشَر في الخلفاء الفاطميِّين بـ«مِصر» وآخرهم. تولى بعد موت ابن عمه «الفائز بنصر الله»، وكان آنذاك أحد عشَر عامًا وبضعة أشهر. قُتل أبوه «يوسف بن الحافظ» بيد الوزير «عباس» بعد قتل «الظافر». تولى الخلافة وكان لايزال «الملك الصالح» قابضًا على أمور الحكم متحكمًا في قصر الخليفة منذ أيام «الفائز».

إلا أن عمة «الفائز» الصغرى مع أصحاب أختها (التى قُتلت بأمر «الصالح») دبرن أمر قتل «الصالح»، ونجحن في أمرهن فمات، فتولى بعد ذلك أمر الوزارة ابنه «رُزِّيك» وأقام فيها سنة وبضعة أشهر، وقد قيل فيه: «فما رأى الناس أحسن من أيامه، وسامح الناس بما عليهم من الأموال، والبواقى الثابتة في الدواوين». و… والحديث عن «مِصر الحلوة» لا ينتهى!.

* الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى