تحدثت المقالة السابقة عن تولى «صلاح الدين» أمر وَزارة «مِصر»، وواقعة «السودان»، ووفاة الخليفة «العاضد» وهو ابن الثالثة والعشرين؛ لينتهى بموته حكم الخلفاء الفاطميِّين بـ«مِصر».
أما عن «صلاح الدين»، فقد ذكر المؤرخ «أبوالمظفر بن قَزَأُوغلى»: «وجلس «صلاح الدين» في عزائه (يقصد «العاضد»)، ومشى في جنازته وتولى غسله وتكفينه، ودفنه عند أهله. واستولى «صلاح الدين» على ما في القصر من الأموال والذخائر والتحف والجواهر والعبيد والخدم والخيل والمتاع وغيره. وكان في القصر من الجواهر النفيسة ما لم يكُن عند خليفة ولا ملك، مما كان قد جُمع في طول السنين.. ووجدوا أموالًا لا تُحد ولا تُحصى.
وأفرد (عزل) «صلاح الدين» أهل «العاضد» ناحيةً عن القصر، وأجرى عليهم جميع ما يحتاجون إليه، وسلمهم إلى الخادم «قراقوش»؛ فعزل الرجال عن النساء واحتاط (تحفظ) عليهم»، وقد وزع «صلاح الدين» أموال القصر على العساكر، وباع عددًا من الجوارى والعبيد، ووهب للقاضى «الفاضل» جميع ما أراد من كتب القصر، وأرسل الهدايا إلى الملك العادل «نور الدين» في «حلب». وهكذا استولى «صلاح الدين يوسف بن أيوب» على «مِصر».
السلطان «صلاح الدين بن أيوب» (567-589هـ) (1171-1193م)
هو السلطان الملك الناصر أبوالمظفر «صلاح الدين بن يوسف» ابن الأمير «نَجم الدين أيوب». وُلد في «تِكريت» بالعراق عام 532هـ (1138م)، في ليلة مغادرة والده «نَجم الدين أيوب» «قلعة تِكريت» حيث كان واليًا عليها. وقد أمضى «صلاح الدين» طفولته بـ«دمشق»، وشبابه ببلاط الملك «نور الدين» حيث صار أبوه وعمه من أكابر رجاله. ثم لمع نَجم «صلاح الدين» عسكريًّا، وجاء إلى «مِصر» مع عمه «أسد الدين شِيرِيكُوه» ثلاث مرات، إلى أن تولى وَزارتها ولقب بـ«الملك الناصر» عام 564هـ (1169م).
وحدث أن «صلاح الدين» أرسل يطلب أباه «نَجم الدين أيوب» من الملك «نور الدين» فأرسله إليه عام 565هـ (1170م)؛ ويذكر «ابن تَغرى»: «فلما قرب «نجم الدين» إلى الديار المِصرية، خرج ابنه السلطان «صلاح الدين» بجميع أمراء «مِصر» إلى ملاقاته، وترجل «صلاح الدين» وجميع الأمراء ومشَوا في ركابه؛ ثم قال له ابنه «صلاح الدين»: هذا الأمر لك (يعنى الوَزارة) وهى السلطنة الآن، وتدبير مُلك «مِصر»، ونحن بين يديك؛ فقال له «نجم الدين»: يا بُنىّ، ما اختارك الله لهذا الأمر إلا وأنت أهل له!، وأبى «نجم الدين» عن قَبول السلطنة، غير أنه حَكَّمه (جعله حَكَمًا) ابنُه «صلاح الدين» في الخزائن، فكان يُطلِق منها ما يختار من غير مراجعة «صلاح الدين»».
وفى تلك الأثناء، كانت الحروب بين «صلاح الدين» والفرنج قائمة إذ كانوا قد وصلوا «دِمياط» وأقاموا عليها حصارًا شهرين؛ وفى تلك الأثناء، طلب «صلاح الدين» أموالاً من الخليفة «العاضد» فأرسل إليه مالاً كثيرًا حتى قال «صلاح الدين»: «ما رأيت أكرم من «العاضد»!، جهز إلىّ في حصار الفرنج لـ«دِمياط» ألف ألف دينار سوى الثياب وغيرها»؛ وقد رحل الفرنج بعد تفشى الوباء فيهم وموت عدد كبير منهم.
ثم اهتم «صلاح الدين» بإصلاح أحوال «مِصر». وفى تلك الأثناء وصلته رسالة الملك «نور الدين» من «دمشق»، يأمره بإقامة الخُطبة لـ«بنى العباس» وقطعها «للعاضد»، وقد شدد في أمره هذا حتى قُطعت الخطبة «للعاضد» الذي كان مريضًا آنذاك، عام 567هـ (1172م)، ومات بعدئذ بقليل. ويذكر «ابن تغرى» أن «صلاح الدين» ندِم على قطعه الخطبة «للعاضد»، وقال: «ليتنى صبَرت حتى مات!». وهكذا آل حكم «مِصر» إلى «صلاح الدين»، وأما عن شخصه وحكمه فقد… و… والحديث عن «مِصر الحلوة» لا ينتهى!.
* الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى