بنفس منطق الإرهاب الإخوانى «نحكمكم.. أو نقتلكم» يخرج علينا من يقول إنه عالم دين وداعية بالحكمة والموعظة الحسنة معلقا على القتل الوحشى لفتاة المنصورة «نيرة» فلا يجد فى قاموسه إلا دعوة الفتيات إلى الاختيار بين أن تتحجب وتبقى قفة.. أو القتل كما حدث للضحية البريئة «نيرة» التى كانت – للتذكير فقط- ترتدى ملابس عادية تناسب فتاة جامعية ليست «قفة» ولا «شوال» كما يريدها الشيخ مبروك عطية!
القضاء العادل سيبدأ غدا نظر قضية مصرع «نيرة» وتبقى مأساتنا مع هذا الفكر الشاذ الذى يمثله الشيخ مبروك والكثير معه من الذين يدعون التحدث باسم صحيح الدين، والذين ينشرون فى المجتمع هذه الأفكار المسمومة، والقاتلة منذ أن انفتحت أمامهم الساحة قبل خمسين عاما مع خطأ كارثى للرئيس السادات حين تصالح مع «الإخوان» وفتح الباب أمام غزو وهابى معاد لكل سماحة المصريين واعتدالهم!
دفع الرئيس السادات ثمن الخطأ حين اغتالوه، ودفعت مصر الثمن غاليا، ومازالت تدفعه حتى بعد أن أسقطت حكم الإخوان الذى كاد أن يلقى مصر فى ظلام العصور الوسطى مرة أخرى لولا لطف الله ومعجزة ٣٠ يونيو. سقط الإخوان لكنهم تركوا وراءهم إرهابا بذلنا الكثير لنقضى عليه. وتركوا وراءهم ما هو أخطر.. هذا الفكر المتخلف الذى يؤمن بالعنف، والذى يخاصم العلم ويعادى كل القيم النبيلة، والذى يعتبر المرأة مجرد «قفة»، والرجل مجرد «بهيمة» والمجتمع لا تنصلح أحواله إلا إذا حكمته جماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وفقا لفتاوى الجهل والتطرف وليس وفقا للقانون!
القطيعة مع كل هذا السخف أصبحت ضرورية. هذا الفكر الوافد علينا لا يعبر عن روح مصر، ولا يصدر عن فهم حقيقى لدين أعلى قيم للحرية والمساواة وأعطى المرأة حقوقها، وجعل المودة والتراحم دستورا للعلاقات بين البشر. كنا ذات يوم طلابا فى الجامعة مثل «نيرة» وزملائها ولكن فى زمن آخر لم تكن قد داهمته أفكار التخلف والتجارة بالدين لم يكن هناك نقاب ولا خمار ولا مشايخ تتلاعب بأفكار الشباب كان الاحترام هو سيد الموقف، وكان الجميع يرعى حقوق الزمالة، كنا نتلقى العلم فى ظل مناخ جامعى يحتفى بالفن والثقافة. ولا يعرف لغة المطاوى ولا خزعبلات فقهاء «القفة»، ولا فتاوى من يستحلون العنف ويدعون للقتل ويتمسحون زورا وبهتانا- بالدين الحنيف الذى لا يعرف إلا الرحمة والكلمة الطيبة والمودة الصادقة بين البشر أجمعين.
آن الأوان لأن نعلن بوضوح أن هذه ليست ثقافتنا وهذا ليس طريقنا. لا أفكار إخوان سيد قطب ولا أفكار الوهابية يمكن أن يكون لها مكان فى أرض السماحة والانسانية. الطريق سالك بين من هددونا «إما نحكمكم أو نقتلكم». وبين من يهددون بناتنا «إما القفة.. أو القتل».. وبين الاثنين مدارس تفرض الحجاب على أطفال فى الرابعة من عمرهم«!!» وأدعياء دين مازالوا ينشرون الجهل ويدعون للتداوى ببول الإبل ولرضاع الكبير«!» ودعوة لا تنقطع لقهر المرأة ولزواج الأطفال، ونشر للعنف والكراهية فى مجتمع يقاوم من أجل الحياة ولابد أن تساعده الدولة بإعلان القطيعة الكاملة مع هذا الفكر المعادى للحياة والمسىء للدين الحنيف.
القضية أكبر من شاب يحاكم بعد ارتكابه لجريمة بشعة، أو ضحية بريئة لهذا الجنون. والقضية أكبر من واحد يتاجر بالدين بحثا عن «التريند»، الملعون. القضية هى كيف نواجه العنف المجتمعي، وكيف نحقق القطيعة الكاملة مع فكر غريب عنا، يدعو لعنف ويبرر الإرهاب ويحتقر المرأة ويهين المجتمع.. القطيعة الكاملة وليس أقل من ذلك إذا كنا جادين فى إنقاذ الوطن!
منقول عن
اخبار اليوم