في مثل هذا اليوم من سنة ١٢٣ للشهداء (٤٠٧م) استشهد القديس العظيم الأنبا موسى الأسود صاحب السيرة العجيبة. هذا الذي اغتصب ملكوت السموات حقًا كما قال الإنجيل: “ملكوت الله يُغصَب، والغاصبون يختطفونه” (مت١٢: ١١).
وُلِدَ سنة ٣٣٢م، ولما كبر أصبح عبداً لإنسان يعبد الشمس وكان قوى الجسم كثير الإفراط في الأكل والشرب وكانت أخلاقه شرسة يقتل ويسرق ويزنى ولا يستطيع أحد أن يقف أمام وجهه لقوته، وهرب من سيده وصار رئيساً لعصابة لصوص.
وكانت الخيوط الأولى من توبته بدأت عندما كان يخاطب الشمس قائلاً: “إن كنت أنت الإله فعرفيني وأنت أيها الإله الذي لا أعرفه عرفني ذاتك”، فسمع يوماً من يقول له أن رهبان برية شيهيت يعرفون الله فاذهب إليهم، فقام لوقته وتقلد سيفه وأتى إلى البرية، فالتقى بالقديس إيسوذوروس قس الإسقيط، الذي لما رآه خاف من منظره، فطمأنه موسى قائلاً: “لا تخف فقد أتيت إليكم لتعرفوني الإله الحقيقي” فأتى به إلى القديس مكاريوس الكبير فكلمه عن السيد المسيح والتجسد والفداء فآمن، فعمده وقبله راهباً فعاش القديس موسى في حياة روحية قوية.
وكان الشيطان يقاتله بما كان يمارسه أولاً من خطايا، فكان يأتي إلى القديس إيسوذوروس معلمه ويخبره بذلك، فكان يعزيه ويشجعه ويعلمه كيف يتغلب على حيل الشياطين. وكان يحب خدمة الآخرين، فإذا نام شيوخ الدير كان يمر على قلاليهم ويأخذ جرارهم ويملأها ماءً من بئر بعيد عن الدير.
حسده الشيطان وضربه بقُرح في رجله أقعده مريضاً، ولما علم أنها حرب من الشيطان ازداد في نسكه وعبادته حتى صار جسده كخشبة محروقة، فنظر الرب إلى صبره وتعبه ورفع عنه الأوجاع وحلت عليه نعمة الله.
ذات يوم اجتمع حوله خمسمائة أخ وأرادوا أن يرسموه قساً، ولما حضر أمام الأب البطريرك لرسامته، أراد البطريرك أن يجربه فقال للشيوخ: “من أتى بهذا الأسود إلى هنا، اطردوه” فأطاع وخرج وهو يقول لنفسه: “حسناً عملوا بك يا أسود اللون”، ولما رأى الآب البطريرك اتضاعه واحتماله استدعاه ورسمه قساً وقال له: “يا موسى قد صرت الآن أبيض بالكامل”.
مضى في إحدى المرات مع الشيوخ إلى القديس مكاريوس الكبير فقال القديس مكاريوس إني أرى واحداً فيكم له إكليل الشهادة فأجابه الأنبا موسى: “لعلى أنا لأنه مكتوب كل الذين يَأْخُذُونَ بالسيف، بالسيف يَهْلِكُونَ” (مت ٢٦: ٥٢).
ولما رجع إلى الدير لم يلبث طويلاً حتى هجم البربر على الدير في غارتهم الأولى سنة ٤٠٧م، فقال للإخوة: “من شاء منكم أن يهرب فليهرب” فقالوا له: “وأنت لماذا لا تهرب يا أبانا؟” فقال: “أنا أنتظر هذا اليوم منذ عدة سنين”. ثم دخل البربر وقتلوه هو وسبعة إخوة كانوا معه، وكان واحدٌ مختبئاً وراء حصير فرأى ملاك الرب قد وضع أكاليل على الشهداء، وبيده إكليل وهو واقف ينتظره، فخرج مسرعاً إلى البربر فقتلوه ونال معهم إكليل الشهادة.
فتأملوا أيها الأحباء قوة التوبة وما فعلت فقد نقلت عبداً وثنياً قاتلاً زانياً سارقاً، وصيرته راهباً ومعلماً وكاهناً وقديساً وشهيداً عظيماً.
ويوجد جسده الطاهر مع جسد معلمه القديس إيسوذورس في مقصورة بدير البرموس العامر بوادي النطرون.