استكملت المقالة السابقة الحديث عن «البابا يوحنا السادس»، المتنيح سنة 1216م، بعد رئاسته كنيسة الإسكندرية 27 عامًا، وقد حزِن عليه المِصريون جميعًا، وكانت حَبريته أيام «السلطان صلاح الدين» المُتَوفَّى سنة 589هـ (1193م). وكما ذُكر فى مقالة سابقة، فإن «صلاح الدين» قسَّم دولته أثناء حياته على أولاده وأفراد عائلته: فحكم «دمشق» ابنه الأكبر «الأفضل علىّ»، وجاءت «مِصر» من نصيب ابنه «العزيز عثمان»، وصارت «حلب» تحت حكم ابنه «الظاهر غازى».
الملك «العزيز عثمان» (589- 595هـ) ( 1193- 1198م)
هو ابن السلطان «صلاح الدين الأيوبى». يُدعى «الملك العزيز عماد الدين أبا الفتح عثمان». تولى حكم «مِصر» – اسميًّا فقط- فى أثناء حياة أبيه، نائبًا عنه، ثم تثبَّت سلطانه على «مِصر» بعد وفاة أبيه باتفاق أمراء الدولة وكبارها ورجالاتها. وكان «العزيز عثمان» أصغر من أخويه «الأفضل» و«الظاهر». ووقعت الوَحشة بين كل من «الأفضل» و«العزيز»، فيذكر المؤرخون أن «الأفضل» كان هو السلطان الأكبر بعد وفاة أبيه «صلاح الدين»، حتى صدرت منه بعض الأمور، كان من أهمها تعيين «ضياء الدين الجزرى» وزيرًا للبلاد فأساء إلى الرعية، كذلك لم يكرم «الأفضل» أصحاب أبيه فمالوا إلى «العزيز»، وحين شعر «الأفضل» بذلك أراد القبض عليهم ففروا إلى «مِصر» حيث استقبلهم الملك «العزيز» وأكرمهم.
وقد وقعت أحداث بين الأخوين «العزيز» و«الأفضل» بعد أن ازدادت الأمور سوءًا بينهما، وبلغ الفرنج ما يجرى فانتهزوا الخلاف وحاصروا حصن «الجُبَيل» (أو «جَبَلة») سنة 589هـ (أو 590هـ) (1194م)، ويذكر «ابن تَغْرِى»: «وبلغ الفرنج ذلك (الخلاف بين «العزيز» و«الأفضل»)، فطمِعوا فى البلاد وحاصروا «جَبَلة»، وكان بها جماعة من الأكراد فباعوها للفرنج. وبرز الملك «العزيز» من «مِصر»، يريد قتال الفرنج فى الظاهر، وفى الباطن أخذ «دمشق» من أخيه «الأفضل»». وحين بلغ «الأفضل» تحرك أخوه «العزيز» نحو «دمشق»، أرسل إلى عمه «العادل»، وأمراء المشرق: «الظاهر غازى»، و«مُحمد تقى الدين»، «وأسد الدين»، وغيرهم، يسألهم النجدة، فحضروا بجيوشهم. ويرى بعض المؤرخين أن «العزيز» أدرك أنه لن يستطيع مواجهة تلك الجيوش، فسعى بالحديث إلى عمه «العادل»، وتقررت عودته إلى «مِصر»، فى حين يرى آخرون أنه مرِض ومنعه المرض مواصلة القتال، فعاد إلى «مِصر» بعد المصالحة مع أخيه «الأفضل». وقد ذُكر أن الملوك خرجوا لتوديع «الملك العزيز» واحدًا بعد واحد، فكان أولهم أخوه «الملك الظاهر» ثم أخوه «الأفضل». وقد تزوج «الملك العزيز عثمان» من ابنة عمه «الملك العادل».
ثم تعقدت الأمور وانغلقت مرة ثانية بين الأخوين، وبدأ «العزيز» فى الإعداد للتحرك نحو «دمشق» ثانيةً بسبب فساد الحكم فى البلاد، حيث تركها الملك «الأفضل» لوزيره «ضياء الدين الجَزَرى» وحاجبه «ابن العجمى»؛ فلجأ «الأفضل» إلى عمه «العادل» ثانيةً، فأشار عليه بعزل الوزير «الجَزَرى»، لكن «الأفضل» لم يستمع له، ونتج عن ذلك أن كتب «العادل» إلى «العزيز» يطلب إليه الإسراع إلى «دمشق»، فأسرع بالتوجه إليها. لكن «العادل» قرر أن ينفرد عن «العزيز»، فراسل «الأسدية» – مماليك عمه «أسد الدين شِيركُوه» فى «مِصر»، وأجزل لهم العطاء، فتخلَّوا عن «العزيز» الذى قرر العودة إلى «مِصر». حرَّض الأسدية «الملك العادل» على التوجه إلى «مِصر» لأخذها، فاتفق «العادل» و«الأفضل» على التوجه إلى «مِصر» ونزِلا بـ«بلبيس»، ويذكر «ابن تَغْرِى»: «فتوقف «العادل» عن القتال، ولم يرَ انتزاع «مِصر» من يد «العزيز»، وظهرت منه قرائن تدل على أنه لا يؤْثر السلطنة «للأفضل»، ولا بتقدمته على «العزيز»». ثم طلب الملك «العادل» لقاء «القاضى الفاضل»، فسعى القاضى بين الملك «العادل» والملك «العزيز» وأصلح ما فسد من الأمور بينهما، ويذكر «أنبا ساويرس ابن المقفع» أن «العادل أقام بـ«مِصر» أربعة أشهر و… والحديث فى «مِصر الحلوة» لا ينتهى!.