بعد أيام قليلة يمضى عام بكل ما يحمل من نجاحات وإخفاقات، ونستقبل عامًا جديدًا تراودنا فيه آمال وأحلام لتحقيق نجاحات جديدة؛ وبين الاثنين أود أن أتوقف قليلًا لنتأمل فيما مضى ليكون لنا عبرة ودرسًا لما سنعبر إليه من أيام قادمة. وعلى الرغم من اختلاف شخصية كل إنسان عن الآخر، واختلاف الظروف والمواقف، فإن خطوطًا عامة يمكننا أن نجتمع عليها من أجل استقبال العام جديد.
فى العام الجديد، يجب أن نقدم الشكر إلى الله من أجل أنه وهب لنا سنة جديدة لنحياها فى هذا العالم، سنة تُعد فرصةً جديدةً لم تُتَح لبعض من أحبائنا أو أقربائنا أو أصدقائنا أو معارفنا الذين انتقلوا من هذا العالم. نقدم الشكر إلى الله لأننا ما زلنا نحيا، ولأن الفرصة لا تزال قائمة لأن يقدم كل إنسان توبة صادقة عن ضعفاته وخطاياه وتقصيراته كما يقول الكتاب: «فتوبى يا نفسى ما دمتِ فى الأرض ساكنة». إن عامًا جديدًا دائمًا ما يكون هبةً جديدة لنا من الله لتوبة متجددة؛ وعلينا إدراك قيمة ما يمنحنا الله إياه فربما لا تسنح لنا الفرصة مرة أخرى!.
ويحمل إلينا العام الجديد رسالة عنوانها «الحياة قصيرة». نعم، فالحياة رحلة قصيرة مهما طالت!، إنها نوع من الانتظار أو العبور (TRANSIT) إلى أن نصل إلى بيتنا الدائم: الأبدية. فمع نهاية الحياة تبدأ أخرى جديدة تتحدد نوعيتها بحسب ما قام به الإنسان من أعمال: صالحة أو شريرة. إلا أنه علينا أن نحترس لئلا ننخدع بما يدعيه بعضٌ: أن لا حياة بعد الموت، وبالموت تنتهى الحياة ويفنى الإنسان، ولا ثواب ولا عقاب ينال أحدهما الإنسان جزاء ما قدَّمه فى حياته!!. إنها خديعة، يا عزيزى، لسرقة حياتك منك مثلما سُرقت من آخرين من قبلك!. قال أحدهم، وهو على فراش الموت: «أﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﻭﺷﻚ ﺍﻟﻘﻔﺰ ﻓﻲ ﻇﻼﻡ، ﻭﻟﻮ ﻛﻨﺖ ﺃﻣﻠﻚ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻠﺤﻈﺔ ﻟﺪﻓﻌﺘﻪ ﻟﺸﺮﺍﺀ ﻳﻮﻡ ﻭﺍﺣﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ». لذلك، على كل منا أن يدرك الرسالة التى وُجد من أجلها فى هذه الحياة، ويتممها بكل إخلاص وأمانة، مدركًا أن يومًا معَدًّا للحساب عن كل لحظة وُهبت له فى حياته. وهنا أتذكر كلمات المتنيح «البابا شنودة الثالث»: «كل عمل تعمله، خيرًا كان أو شرًا، مكتوب فى سفر أمام الله». وسوف تُفتح الأسفار كلها فى اليوم الأخير، وينال كل إنسان ما يستحقه إن كان خيرًا أو شرًا. لتكُن لنا رسالة الخير فى العام الجديد، فإن الله هو صانع الخير وواهبه، ووصيته لنا دائمًا أن نقدم الخير إلى الجميع: «لأن من يصنع الخير هو من الله، ومن يصنع الشر، فلم يبصر الله»، و«من يعرف أن يعمل حسنًا ولا يعمل، فذلك خطية له».
وفى عام جديد، تحمل إليك طياته بدايات جديدة بآمال وأحلام متجددة من أجل تحقيق ما تصبو إليه نفسك؛ فإن كان العام الماضى يحمل آثار إخفاقات أو تعثرات، فلتكُن لك الإرادة والعزيمة على العمل والجهد من أجل تحقيق النجاح. إن جوهر المشكلة يكمن فى أعماق الإنسان الذى يستسلم للإحباطات، ويظن أن الفشل هو طامة كبرى فى الحياة، لكن كما يقول «نيلسون مانديلا»: «قمة المجد ليست فى عدم الإخفاق أو الفشل، بل فى القيام بعد كل عثرة». ليكُن لنا الصبر والعزيمة والعمل الدؤوب فى العام الجديد.
أهنئكم جميعًا بالعام الجديد 2023، راجيًا لكم جميعًا كل خير وسلام، ولبلادنا «مِصر» كل بركة وازدهار وأمن وسلام، ونصلى من أجل سلام العالم، وأن ينجيه الله من الحروب والغلاء والوباء والفناء و… والحديث فى «مصر الحلوة» لا ينتهى!.
* الأسقف العام
رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى