تحدثت المقالة السابقة عن خلفاء الدولة العباسية «الظاهر بأمر الله»، و«المستنصر بالله»، و«المستعصم بالله».. آخرهم الذى بموته انتهت تلك الدولة بالعاصمة «بغداد».
أما «مصر» فى تلك الحقبة، فقد شهِدت أحداثا كثيرة. وقد توقف الحديث فى مقالات سابقة عند «الآمر بأحكام الله» 495-524هـ (1101-1130م)، الذى قتلته جماعة من «النَّزارية»، تربصوا به حين عبوره جسرًا يصحبه نفر قليل من حرسه الخاص لضيق الجسر، فقابلوه وطعنوه طعنات عديدة أودت بحياته؛ ليتولى الحكم من بعده «الحافظ لدين الله».
«الحافظ لدين الله» (524- 544هـ) (1130- 1149م)
ثامن خلفاء الدولة الفاطمية فى «مِصر». واسمه «الحافظ لدين الله أبو الميمون عبد المجيد». تولى الخلافة بعد مقتل ابن عمه «الآمر بالله»؛ ويذكر «ابن التَّغرى» عن ولايته: «وكان قبل ولاية «الحافظ» هذا (أن) اضطرب أمر الديار المِصرية؛ لأن «الآمر» قُتل ولم يخلِّف ولدًا ذكرًا، وترك امرأة حاملًا. فماج (اضطرب) أهل «مِصر»، وقالوا: لا يموت أحد من أهل هذا البيت إلا ويخلِّف ولدًا ذكرًا منصوصًا عليه الإمامة (ورد فى إمامته نص).
وكان «الآمر» قد نص على الحمْل (الحبَل بذكر يلى الخلافة) قبل موته؛ فوضعت الحامل بنتًا، فعدَلوا إلى «الحافظ» هذا، وانقطع النسل من «الآمر» وأولاده»؛ وقد صار «أبوعلى أحمد بن الأفضل» «للحافظ» وزيرًا، ولُقب «أمير الجيوش». ويذكر المؤرخون أن الوزير «أمير الجيوش» قويت شوكته، وضعف أمر الخليفة معه، حتى قُتل الوزير؛ فاسترد الخليفة «الحافظ» قوته وعَظُم أمره ووُضعت له الألقاب، وخُطب له على المنابر.
وحين قُتل الخليفة «الآمر»، كان «الحافظ» محبوسًا، حتى قيل: «فأخرجوه واشغلوا الوقت به إلى أن يولد حمْل «الآمر»، فإن كان صبيًا يَلى (يقوم بأمر) الخلافة ويُخلع «الحافظ»». وفى تلك الحقبة، كان المتولى الحقيقى لشؤون الحكم هو الوزير «أحمد بن الأفضل»، فى الوقت الذى لا سلطة «للحافظ» إلا الاسم فقط. وحين وُضعت بنت، استمر الحكم «للحافظ»، لكن بقيت السلطة الحقيقية بيد الوزير الذى ضيق على «الحافظ» وحجر عليه ومنعه من الظهور، وقيل إنه وضعه فى خِزانة لا يدخل إليه أحد فيها إلا بأمر الوزير.
كذلك استولى الوزير «أحمد» على ما فى القصر، وأهمل الدعاء لـ«بنى عبيد»، وجعله فى خطبة الجمعة للإمام المنتظر فى آخر الزمان، وأمر الخطباء أن يدعوا له، واضعًا لنفسه عددًا من الألقاب التى اختصها لشخصه؛ فأبغضه الأمراء والدعاة وعدد من المصريين وصمموا على قتله، وبالفعل كمَنوا له وقُتل، وأخرجوا «الحافظ» مجددين له البَيعة. وقد قيل عن الوزير «أمير الجيوش» إنه كان «شهمًا، شجاعًا، عالى الهمة كأبيه «الأفضل» وجَده «بدر الجمالى»».
وحدث بعد مقتل الوزير «أمير الجيوش» أن أساء التدبير جميع الوزراء الذين جاؤوا من بعده، منهم «أبو الفتح يانس الحافظى» الملقب أيضًا بـ«أمير الجيوش»، و«بَهْرام»، ثم تولى «الحافظ» أمر الوزارة بنفسه حتى مات.
وذُكر أيضًا أن الخليفة «الحافظ» كان معتل الصحة كثير المرض، وأنه عَهِد إلى «سليمان» أكبر أبنائه بمهام الوزير لكنه مات بعد ولايته بشهرين، وترشح ابنه الثانى «حسن»، لكنه كان عاقًّا لأبيه «الحافظ»؛ فرفض «الحافظ» طلبه؛ فانقلب «الحسن» على أبيه وأرسل إلى الأمراء للاستيلاء على الحكم واعتقاله، حتى قيل: «وأطمع الناسَ (جعلهم يطمعون) فيما يواصلهم به إذا تم له الأمر، فامتدت إليه الأعناق (طمعًا وشغفًا بكلامه)، وكاتب الأمراء وكاتبوه.
ثم عاودتهم عقولهم بأن هذا لا يتم مع وجود أبيه وهو الخليفة، فكاتبوا أباه بخلاف ذلك.»؛ فصارحه أبوه بالأمر، فقتل «الأمير حسن» عددًا من الأمراء واستولى على ما لديهم، ثم لجأ إلى أبيه بعد ما تعرض له من ضغوط من الأمراء والجنود، لكنهم طلبوا من أبيه قتله واجتمعوا على الخليفة «الحافظ»، مهددين إياه بخلعه وحرق قصره؛ فدبر أبوه أمر قتله على يد أحد أطبائه؛ وهكذا تفرقوا عن القصر بعد أن تحققوا من مقتل الأمير.
و… والحديث فى «مصر الحلوة» لا ينتهى!.
* الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى