عامين بعد المائة تمر على ذكرى ميلاد الزعيم جمال عبد الناصر ثاني رؤساء جمهورية مصر العربية وأهم قيادات ثورة الضباط الأحرار.
ولد ناصر في قرية باكوس بمحافظة أسيوط في 15 يناير 1918 وقد عرف عنه منذ صغره انحيازه للفقراء والبسطاء.
عقب حصوله على التوجيهية “الثانوية العامة”، التحق جمال عبد الناصر بكلية الحقوق رغم شغفه بالجيش المصري ورغبته في أن يكون أحد عناصر القوات المسلحة المصرية.
وعلى خلفية توقيع معاهدة 1936 بين حكومة النحاس باشا وحكومة بريطانيا عاود عبد الناصر تقديم أوراقه للالتحاق بالكلية الحربية وبفضل عناية وزير الحربية حينها إبراهيم باشا خيري سمح له بالالتحاق بالكلية على الرغم من رفض أوراقه في السابق نتيجة للتقارير التي أفادت بمشاركته في المظاهرات الطلابية ضد الاحتلال البريطاني.
عرف عن ناصر صمته خلال وجوده بالكلية الحربية وبعد تخرجه نتيجة لانشغاله بالتفكير في الأوضاع السيئة التي تمر بها مصر، ولاسيما بعد اشتعال الحرب العالمية الثانية في عام 1939 بين قوات الحلفاء والتي كانت بينها بريطانيا ودول المحور بقيادة ألمانيا النازية.
ونتيجة للقبض على الأب الروحي لضباط الجيش المصري عزيز باشا صدقي، توصل عبد الناصر إلى أن الحل كي تنهض مصر من كبوتها يتمثل في تغيير النظام السياسي القائم في البلاد والمنشغل بالصراعات السياسية والوصول للحكم بصرف النظر عن أحوال المواطن المصري التي تزداد سوءا يوما بعد يوم.
عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية انشغل عبد الناصر بالقضية الفلسطينية ولاسيما مع زيادة الهجرة اليهودية لفلسطين وقيام العصابات الصهيونية بمذابح بحق الفلسطينيين.
شارك ناصر في حرب فلسطين مايو 1948 والتي انتهت بهزيمة الجيش المصري نتيجة لتآمر عدد من الخونة على الجيش والتي تجلت في الأسلحة الفاسدة التي تم استيرادها لحساب الجيش للقتال في حرب فلسطين.
كانت النتيجة التي توصل إليها ناصر خلال حصاره في الفلوجة أن البلاد لم تعد تحتمل استمرار هذا النظام الفاسد والذي تآمر على الجيش ودخل مع المحتل في صفاقات مشبوهة على حساب القضايا الوطنية
شرع عبد الناصر خلال حصاره في الفلوجة في بناء تنظيم الضباط الأحرار ليتحول الجيش المصري من سيف الملك على رقاب الشعب إلى سيف الشعب على النظام الفاسد والمحتل الإنجليزي.
وفي يوليو 1952 سارع عبد الناصر إلى تحريك الجيش المصري للقيام بثورة 23 يوليو عقب وصول معلومات من اليوليس السياسي للبلاط الملكي حول قيادة تنظيم الضباط الأحرار.
توافق ناصر مع الأحد عشر ضابطا بمجلس قيادة الضباط الأحرار على اختيار اللواء محمد نجيب، ليكون رمزا لتحرك الضباط الأحرار وحركة ضباط الجيش المصري ضد النظام الملكي.
صاغ ناصر مع صلاح سالم والسادات المطالب التي تم رفعها للملك فاروق والتي تمثلت في تنازل الملك عن العرش لنجله ومغادرة البلاد.
بعد نجاح ثورة 23 يوليو تغيرت حياة ناصر حيث أصبح في صدر المشهد واتخذ سلسلة من القرارات التي كان يتطلع إليها على مدى عمره تمثلت أولها في قانون الإصلاح الزراعي وتحديد سقف الملكية الزراعية بمائتي فدان للأسرة وتوزيع ما يتبقى من تلك الحصيلة الزراعية على الفلاحين.
كانت لرؤية ناصر الإصلاحية سواء على الصعيد الداخلي أو لرؤية العربية القومية على الصعيد الإقليمي السبب في دخوله في صراعات داخلية وخارجية.
أول صدامات ناصر الداخلية تمثل في صدامه مع جماعة الإخوان والتي حاولت اغتياله في أكتوبر 1953 بميدان المنشية بمحافظة الإسكندرية
توجهات ناصر الإقليمية كان السبب في محاولة القوى الاستعمارية إسقاطه، ولاسيما بعد تشكيله مع الزعيم الهندي نهرو والزعيم اليوغسلافي تيتو مجموعة دول عدم الانحياز.
تمثلت أول المحاولات الدولية في إسقاط ناصر في رفض البنك الدولي بإيعاذ من الولايات المتحدة تمويل السد العالي ورفض ناصر على رفض التمويل بتأميم شركة قناة السويس العالمية البحرية في 26 يوليو 1956.
نتيجة لتأميم القناة جن جنون القوى الاستعمارية وشنت كلا من فرنسا وبريطانيا وإسرائيل عدوان ثلاثي على مصر في محاولة لاسترداد القناة وكسر ناصر وتقديمه للمحاكمة الدولية.
نجاح ناصر في الانتصار في معركة القناة سياسيا ودبلوماسيا ونجاح المقاومة الشعبية في التصدي للعدوان الثلاثي كان السبب في إصدار السوفيت للتهديد الشهير لكلا من فرنسا وبريطانيا بأنها سوف تتدخل عسكريا للدفاع عن مصر بالإضافة إلى تغيير الولايات المتحدة موقفها ومطالبتها لكلا من إسرائيل وفرنسا وبريطانيا بوقف العدوان على مصر والانسحاب.
ذاع صيت ناصر بعد تأميمه لقناة السويس وشرع ناصر في اتخاذ سلسلة من القرارات الاشتراكية وترسيخ مبادئ الحكم الاشتراكي في مصر كما شرع في اتخاذ سلسلة من التحركات لتحقيق الوحدة العربية على الصعيد الإقليمي.
كان أهم ثمار تحركات ناصر الداخلية تحقيق أفضل خطة خمسية للتنمية الاقتصادية بين دول العالم الثالث خلال الفطرة من 1960 إلى 1965 بشهادة الأمم المتحدة.
وكان من ثماره تحركات الخارجية لتوسيع عدد الدول المشاركة في مجموعة دول عدم الانحياز بالإضافة إلى تحقيق الوحدة بين مصر وسوريا والتي استمر خلال الفترة من 1958 إلى 1961.
رغم الدور التآمري التي قامت به القوى الاستعمارية على الوحدة بين مصر وسوريا ونجاحها في تشكيل جبهة لهدم تلك الوحدة رفض ناصر إرسال قوات لمحاربة مناهضي الوحدة والذين قاموا بالانقلاب العسكري على الوحدة في دمشق قائلا:”الوحدة كانت بالتوافق واستمرار الوحدة لن يكون بالقوة”.
نتيجة ما حققه ناصر قررت القوى الإمبريالية بقيادة الولايات المتحدة أن تنصب فخا لإسقاط الدولة المصرية وقد تمثل هذا الفخ في الدفع بذراع الإمبريالية الاستعمارية إسرائيل في الدخول مع مصر في حرب بعد تهيئة الأجواء ومطالبة مصر بعدم البدء بإطلاق النيران على خلفية أزمة خليج العقبة.
وعقب الهزيمة في نكسة 5 يونيو 1967 أعلن ناصر تخليه عن جميع المناصب الرسمية والسياسية إلا أن الضمير الجمعي والوعي الشعبي للجماهير المصرية رفضت استقالة ناصر وخرجت في مظاهرات عارمة خلال يومي 9 و10 يونيو لرفض تنحي ناصر.
استجاب ناصر لمطالب المواطنين وشرع على الفور في إعادة بناء القوات المسلحة قائلا العبارة الشهيرة “ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة”.
أدرك ناصر خلال إعادته لبناء القوات المسلحة أن نهضة هذا الوطن لن تتأتى إلا بجيش قوي والجيش القوي لن يبنى إلا بتفرغه للقتال والمهام العسكرية بعيدا عن أي دورا سياسي.
شن ناصر ما يعرف بحرب الاستنزاف ضد إسرائيل استعدادا لتحرير سيناء من الاحتلال الإسرائيلي.
رغم الهزيمة المصرية في حرب يونيو 1967 ظل ناصر متربعا على عرش الزعامة لدول العالم الثالث حيث دعا ناصر إلى قمة عربية في أواخر سبتمبر 1970 نتيجة للصدام الذي حدث بين الجيش الأردني والمقاومة الفلسطينية في الأردن.
وعقب نجاح ناصر في احتواء ما عرف عربيا بأزمة أيلول الأسود، ودع ناصر القيادات العربية وكان أخيرها الأمير الكويتي.
لفظ ناصر أنفاسه الأخيرة في 27 سبتمبر 1970 عن عمرا يناهز 53 عاما وودعه المصريين في جنازة شعبية قدرت وكالة الأنباء العالمية عدد المشاركين فيها بأكثر من 5 مليون مواطن مصري بالإضافة إلى مئات الآلاف من المواطنين العرب بمختلف العواصم العربية مرددين شعار “9 و10 كنا معاك ليلة الإسراء ودعناك”.
هكذا عاش مناضلا ومات مناضلا ظلت سيرته في قلوب أنصار الداعين إلى حرية الشعوب من براثن القوى الاستعمارية.