لقد تميز رجل الأعمال الطبيب «رؤوف غبور» بسمة استقاها من أفراد أسرته: السمعة الجيدة؛ ففى خمسينيات القرن الماضى دفع أبوه «كمال غبور» وعمه «صادق غبور» كل مبالغ كُمبيالات السيارات التى يشترونها من «استودى بيكر» بالتقسيط على الرغم من احتراقها فى حريق القاهرة 1952م؛ وصار ذلك الموقف شاهدًا على أمانتهما واحترامهما فى مجال الأعمال. ويذكر «رؤوف غبور» عن ذلك الموقف أنه كان خير تقديم لهما فى عالم المصارف، فحينما أرادا افتتاح «إخوان غبور» تقدَّما إلى «بنك القاهرة» بطلبهما، وهناك سألهما المسؤولون عن أعمال سابقة لهما فذكرا «استودى بيكر»، وحين استعلم المصرف عنهما قيل عنهما: «هم ناس محترمة وأمناء»، وذكروا أنهما الوحيدان اللذان سددا كاملا قيمة الكُمبيالات التى احترقت وفى موعدها؛ وهكذا بدأ المصرف فى منحهما ما يحتجان إليه من تسهيلات وقروض.
وقد حرص «رؤوف غبور» على بناء تلك السمعة الطيبة مع كل من تعامل معه فكانت سببًا فى إنقاذه من أزماته، فحين تعرض للأزمة الأولى فى 1981م جاء انفراجها من «اليابان»، وقيل له: «يا رؤوف، أنت رجل محترم… ونعلم أنك خسرت كل ما كسبته، فى الأزمة الحالية. واليوم نريد أن تقدم لك دعمًا لإعادة بناء قدراتك المالية». وفى الأزمة الثانية جاءت انطلاقة تصنيع سيارات «هيونداى» التى بها استعاد نجاحاته، وقد سانده المدير الإقليمى لـ«هيونداى موتورز» بدبى بعد أن التقاه لإنهاء التعاقد معه، وقال له: «إننى أشكر الظروف التى قادتنى لكى أعرفك. أنا لم أكُن أتخيل أن هناك رجل أعمال بهذا المستوى من النزاهة والصلابة والمبادئ»؛ ثم سانده لدى رؤسائه فى «سول» مؤكدًا أن «رؤوف غبور رجل محترم»، وطلب منحه فرصة عام، متوقعًا له النجاح، وقد كان؛ فيذكر «رؤوف غبور»: «تحولت سمعتى فى السوق.
كسب المدير الإقليمى لـ«هيونداى» الرهان مع رؤسائه… صرت عنوانًا للنجاح فى سول والمنطقة كلها». ويؤكد: «أغلى ما تعلمته أن السمعة أثمن من المال. رجال أعمال كثيرون لا يعلمون ذلك، أو لا يؤمنون بهذا المبدأ. بنَيتُ ثقة وسمعة جيدة مع التجار والموردين ومع الشركاء الأجانب، فكان ذلك سببًا فى إنقاذى وصعودى»؛ وهذا ما غرسه فى أبنائه فتذكر ابنته «دينا»: «تعلمت منه أن السمعة الطيبة أغلى من أموال الدنيا وكنوزها».
أحب «رؤوف غبور» الوطن حبًّا جمًّا منذ شبابه، فبعد اندلاع حرب 1973، وكان لايزال فى السنة الثالثة بكلية الطب، بدأ مع مجموعة من زملائه التطوع فى «مستشفى الدمرداش» حيث وُزعوا على عنابر المصابين والجرحى من جنود وضباط قادمين من جبهة القتال. وحين وُجهت إليه نصيحة أن يبيع شركاته ويغادر «مِصر» وقت حكم الإخوان فى أواخر 2012 وأوائل 2013، قال: «أنا مصرى وطنى، ولن أغادر بلدى أبدًا، تحت أى ظروف… أظل أعمل وسط الموظفين والعمال من المصريين… أظل فى بلدى رغم كل شىء وحتى النهاية». وكان دائم القول: «لكنى مؤمن ببلدى دائمًا؛ فى أحلك الظروف كنت أراهن على استقراره، وأساعد بذلك من موقعى ومصانعى وشركاتى بقدر ما أستطيع».
أيضًا لم يتوقف «رؤوف غبور» عن تقديم أعمال الخير سرًّا أو علنًا، فقدم المساعدة فى البرامج الصحية، ودعم عددًا من المستشفيات منها «مستشفى 57357» بمساندته لزوجته السيدة «علا غبور» التى شهدت عنه: «طيب جدًّا، ويحرص على مساعدة الناس الغلابة»، وعن أزمته واقترابه من إعلان الإفلاس، قالت: «لم يقُل لى، ولو مرة واحدة: «لا»؛ لأى تبرع طلبته منه!»، هذا إلى جانب المشاركة فى عدد من الحملات الخيرية، ومساعدة البسطاء، وتقديم المعونة المالية إلى مؤسسة Face Foundation التى توجه نشاطها إلى إنقاذ أطفال الشوارع ورعايتهم حين استشعر احتياجهم الدعم؛ ثم التوجه إلى التعليم والتدريب المهنى لتأهيل عدد من الشباب بطريقة سليمة عصرية.
وفى مارس 2021، تقدم باستقالته رسميًّا، وعُين ابنه «نادر غبور» فى منصب المدير التنفيذى للمجموعة، وفى ذلك اليوم علِم بإصابته بورم سرطانى فى البنكرياس، ليبدأ رحلة علاج أظهرت جوانب أخرى من شخصيته؛ وعن ذلك يقول ابنه «كمال غبور»: «لقد تعاملت كثيرًا مع خِصال عظيمة لأبى طوال عمرى وأنا إلى جواره، لكن طريقة تعامله مع المرض وترفعه عن الآلام والأوجاع مثَّلت بعدًا آخر فى شخصيته».
رحل «رؤوف غبور» عن عالمنا فى 9/11/2022م، تاركًا آثارًا لا تمحى فى مجال الأعمال ومن قَبله المجال الإنسانى، و… والحديث فى «مصر الحلوة» لا ينتهى!.