سلسلة هوامش حول التعليم فى الكنيسة القبطية الارثوذكسية … مجمع نيقية .. للمطران الانبا بيشوى السكرتير الاسبق للمجمع المقدس ومطران دمياط وكفر الشيخ الاسبق
نحن نؤمن بالمحبة بين جميع الطوائف المسيحية من اقصاها الى اقصاها وبالفعل لاننا جميعا نؤمن بالسيد المسيح اها ومخلصا ومعلما , ونؤمن بالمشاركة وعلاقات المحبة بيننا جميعا , والاساس فى هذا ان لكل كنيسة ايمانها وتعاليمها وتراثها وتاريخها ومقوماتها الذاتية والشخصية , وبالطبع يصبح علاقات المحبة على اساس ان تحافظ كل كنيسة على هذه المقومات ولاتعمل كنيسة على اذابة الاخرى فى تعاليمها او ايمانها او شخصيتها , لان اى كنيسة تفقد احد مقوماتها الذاتية تكون عرضة للانهيار من الداخل .
وبالضرورة فأن كنيستنا القبطية الارثوذكسية ذات جذور عميقة فى التاريخ كونت من خلالها شخصيتها التى خافظت على وجودها ومكانتها بين كنائس العالم حتى اللحظة.
ونحن لم نبالغ فى وصفنا لمكانة بابا الكنيسة القبطية الارثوذكسية ” بصفته” هو بابا الارثوذكس فى العالم سواء للكنائس الخلقدونية او الكنائس غير الخلقدونية .
ونحن نفتح النقاش من اليوم حول التعليم فى الكنيسة القبطية الارثوذكسية .
مجمع نيقية
1- ظروف انعقاده
هدأت أمواج الاضطهادات التي لاقتها الكنيسة لمدة ثلاثة قرون بصدور مرسوم التسامح الديني في عصر الملك قسطنطين 313 م.، وهو المّسَمَّى “منشور ميلانو” الذي اعترفت فيه الإمبراطورية الرومانية بالمسيحية ديانة مسموح بها رسميًا. ثم جاءت الحاجة ملحة لعقد مجمع مسكوني بسبب:
أ-حل مشكلات تنظيمية خاصة بالإيبارشيات، ولتحديد موعد موحد لعيد الفصح (عيد القيامة المجيد).
ب- أما السبب المباشر لعقد المجمع فقد كان بدعة أريوس، لأن الإمبراطورية كادت تنقسم بسبب تلك البدعة.
انعقد المجمع المسكوني بأمر الملك قسطنطين خوفًا من الانقسام الحاد الحادث في الإمبراطورية بسبب بدعة أريوس. وكان انعقاده سنة 325م في نيقية بعدد 318 أسقفًا، كما ذكر القديس أثناسيوس الذي كان شاهد عيان وأحد أعضاء المجمع في خطاب له(1). في البداية كان 16 أسقفًا مؤيدين لأريوس، و22 أسقفًا مؤيدين للبابا ألكسندروس، والباقي لم يكن موقفهم قد تحدد بعد. أما بنهاية المجمع فقد ظل أسقفين فقط مؤيدين لأريوس وهما سيكوندوس وثيئوناس اللذين رفضا التوقيع على إيمان المجمع مع الكهنة الملتصقين بهم(2)، وفى أيام القديس أبيفانيوس كانت توقيعات الـ318 الحاضرين في نيقية لازالت موجودة.(3) هذا كان بفضل شرح القديس أثناسيوس للإيمان ورده على افتراءات أريوس، وفي هذا نرى مدى عظمة الدفاع السكندري في المجمع. ولم يكن الوصول لقرار المجمع بالأمر الهين بل استدعى الأمر مجهودًا رهيبًا.
كان البابا ألكسندروس، كما ذكرنا، قد عقد مجمعًا محليًا عام 318 م. حرم فيه أريوس وتعاليمه، وجرده من رتبته الكهنوتية. . فغادر أريوس مصر إلى فلسطين وآسيا الصغرى إلى صديقه أوسابيوس أسقف نيقوميديا، حيث بدأ في نشر تعاليمه في صورة مقطوعات شعرية في كتابه المسمى “ثاليا” أي الوليمة Banquet، ولحّن هذه المقطوعات ولقّنها لأتباعه ليعلموها للناس في صورة تراتيل.
انخدع أوسابيوس بضلال أريوس وعقد مجمعين مكانيين سنة 322 م، 323 م. تقرر فيهما: إلغاء الحرم الصادر من البابا ألكسندروس (19) ضد أريوس، وكان ذلك سببًا في رجوع أريوس إلى الإسكندرية لينفث سمومه هناك ثانيةً، فطرده البابا ألكسندروس مرة أخرى فعاد إلى حيث كان.
لكن بمساعدة يوسابيوس بلغ الأمر إلى الإمبراطور، الذي قام بإرسال هوسيوس أسقف أسبانيا إلى البابا ألكسندروس، وما أن وقف هوسيوس على حقيقة الأمر حتى أبلغ الإمبراطور واقترح عقد مجمع مسكوني للنظر في هذه الضلالة.
2- آريوس وهرطقته
بدأ أريوس يعلِّم هرطقته وهو بعد شماس في عهد البابا بطرس خاتم الشهداء البابا السابع عشر من عداد بطاركة الإسكندرية. وقد حاول البابا بطرس إرجاع أريوس عن معتقده الخاطئ، ولما لم يقبل حرمه البابا وحرم تعاليمه الخاطئة، وبالتالي مُنع من ممارسة الشماسية والتعليم.
كان البابا بطرس قد رأى رؤية في أثناء سجنه وإذ السيد المسيح واقف بثوب ممزق فقال له: “من الذي مزّق ثوبك يا سيدي”، قال “أريوس”. ففهم البابا بطرس أنه، بناء على إعلان سماوي، حتى لو تظاهر أريوس بالتوبة سوف يكون مخادعًا، وأنه سوف يشق الكنيسة. فاستدعى تلميذيه أرشلاوس (أو أخيلاس) وألكسندروس وحذّرهما من أريوس ومن محاللته مهما تظاهر بالتوبة. وبعد أن نال البابا بطرس إكليل الشهادة وتولى تلميذه أرشلاوس الكرسي حاول أريوس أن يتظاهر بالرجوع عن معتقده الخاطئ بأسلوب ملتوي فخالت على البابا أرشيلاوس حيلة أريوس فحاللـه ورقاه إلى درجة القسّيسية بعد أن كان شماسًا مكرسًا، بعد أن كان محرومًا بواسطة البابا بطرس خاتم الشهداء. مما جعل أحد الآباء في كنيستنا يقول أنه من مراحم الله أن أرشلاوس لم يدم على الكرسي سوى ستة أشهر فقط وإلا انتشرت الأريوسية.
وبنياحة البابا أرشلاوس تبوأ زميله البابا ألكسندروس الكرسي السكندري فصار البطريرك التاسع عشر في عداد بطاركة الكرازة المرقسية. والبابا ألسكندروس هو الذي بدأ باستخدام عبارة o`moou,sion tou/ Patri, للتعبير عن مساواة الابن للآب في الجوهر، وهي العبارة التي دافع القديس أثناسيوس الرسولي طوال حياته عنها وكتبها في قانون الإيمان.
القديس أثناسيوس لم يخترع شيئًا جديدًا بل استلم من معلمه وأستاذه البابا ألكسندروس، الذي استلم بدوره من البابا بطرس خاتم الشهداء “الإيمان المسلم مرة للقديسين” (يه 3). وحينما وقف الشماس أثناسيوس في مجمع نيقية يحاور أريوس كان في وقوفه يشعر بقوة الأبوة التي كان يشمله بها البابا ألكسندروس وبمساندته له.
كانت للبابا ألكسندروس كتابات ضد الأريوسية، وهو أول من عقد مجمعًا بالإسكندرية حضره مائة أسقف للحكم على أريوس وحرمه فيه، وهو يعتبر من كبار اللاهوتيين في تاريخ كنيستنا. لكن في ذلك الحين أثناء الصراع مع أريوس والرد على الآيات التي كان يستخدمها ويسئ تفسيرها كان الأمر يتطلب محاورًا قويًا مثل أثناسيوس. فكان المعلم والتلميذ معًا في المجمع، وكان التلميذ متفوقًا وبارعًا جدًا أمام كل المجمع بدرجة أثارت انتباه العالم المسيحي كله بالرغم من الاضطهادات التي وقعت عليه حتى أنه أخذ لقب “الرسولي” بعد أن صار بطريركًا.
جمع القديس أثناسيوس بين أمرين الأول هو أنه استلم الإيمان، والثاني أنه كان محاورًا قويًا قوى الحجة، وقدَّم إيمان أسلافه من البطاركة خاصة البابا ألكسندروس بصورة قوية جدًا، بل ومقنعة جدًا. فوقعت كلمات أثناسيوس القوية وحجته الدامغة وقع المطرقة على أريوس ومؤيديه. وسجد الجميع شاكرين لله على استخدام هذا الشاب الصغير، كما حيّاه الإمبراطور قائلًا: أنت بطل كنيسة الله.
ليتكم تقرأون كتابات البابا ألسكندروس فسوف تجدون أنه نفس التعليم الذي علّم به القديس أثناسيوس لكن مع توسع كبير عند القديس أثناسيوس لأنه رد باستفاضة على الفهم الخاطئ للآيات التي استخدمها أريوس.
ويضاف إلى ذلك أن القديس أثناسيوس احتمل آلامًا كثيرة جدًا من تشرد ونفى. وفي أثناء نفيه كان يبشر بالمسيحية في أوروبا واجتذب إلى الإيمان المسيحي العديد من القبائل الوثنية، ولكنه لم يحاول أن يضمهم إلى إيبارشيته أي إلى كنيسة الإسكندرية(1). بشر البابا أثناسيوس في أوروبا ولم يطلب من كل من ولدوا في الإيمان على يديه أن يتبعوا كرسي الإسكندرية، ولم يعمل لنفسه إيبارشية داخل الكرسي الروماني.
كان كرسي روما والإسكندرية في ذلك الوقت متحدان في الإيمان إلى حد كبير على الرغم من مرور فترات ضعف على الكنيسة في العالم كله، في مرحلة محدودة، ظل فيها أثناسيوس وحده متمسكًا بالإيمان الصحيح. مر وقت كاد فيه العالم كله تقريبًا أن يصير أريوسيًا لولا أثناسيوس. ففي وقت من الأوقات عزل الإمبراطور البابا الروماني وعين آخر مكانه ليوقع على قانون الإيمان الأريوسي، ولما عاد البابا من سجنه إلى كرسيه وقّع على قانون الإيمان الأريوسي الذي كان قد رفض التوقيع عليه من قبل. هذه هي المرحلة التي لم يبقى فيها سوى أثناسيوس وأساقفته في مصر وحدهم هم المتمسكون بالإيمان الصحيح. لذلك ليس غريبًا أن يقول إشعياء النبي: “مبارك شعبي مصر” (أش19: 25). لكن في أوقات أخرى كثيرة ساند كرسي روما البابا السكندري، مثل الباباوات معاصري البابا أثناسيوس الذين ساندوه.
انهارت المسيحية في العالم كله وخضعت أمام الطغيان الأريوسي ولم يبقى سوى كرسي الإسكندرية ممثلًا في البابا السكندري المنفى وأساقفته المصريين. ونحن علينا أن نقتفى آثار خطوات آبائنا.
3- أفكار آريوس الهرطوقية والرد على بعضها
أنكر أريوس ألوهية السيد المسيح متأثرًا ببعض الفلسفات اليونانية القديمة مثل الأفلاطونية Platonism. فاعتبر أن اللوغوس إله، ولكنه إله مخلوق وليس من جوهر الآب. وإنه كائن وسيط بين الله الإله الحقيقي (الآب) وبين العالم المخلوق لأنه لا يليق أن يتصل الله بالخليقة، وأنه أسمى من أن تكون له علاقة مباشرة بالخليقة. فكيف يخلق الله العالم أو المادة وهو منزه عن هذا؟ لذلك استخدم اللوغوس –وهو كائن أقل وأدنى من الله- كأداة لخلق العالم. وبهذا فلسف عبارة “كل شيء به كان” (يو1: 3). وقال أن هذا الكائن الوسيط والأدنى لا يمكن أن يكون مساو لله في الجوهر والأزلية.
كما فلسف أريوس عبارة “الذي هو قبل كل شيء” (كو1: 17) فقال أن عبارة “كل شيء” لا تشمل اللوغوس ولكن المقصود بها كل الأشياء الأخرى، لأن الزمن في اعتقاده بدأ مع الخليقة.
وللرد نقول إنه في نفس الرسالة يقول معلمنا بولس الرسول عن السيد المسيح أنه “بكر كل خليقة” (كو1: 15)، وبالرجوع إلى أقوى المراجع اللغوية للغة اليونانية اتضح ما يلي:
إن ترجمة كلمة πρωτοτοκος التي ترجمت في الترجمة العربية البيروتيَّة “بكر” في عبارة “بِكر كل خليقة = πρωτοτοκος πασης κτισεως هي ترجمة غير دقيقة. لأن كلمة πρωτοτοκος كلمة مُرَكَّبَة من كلمتين هما: الفعل τι,κτω بمعنى “يَلِد” و πρωτος. وأما πρωτος فهي صيغة مبالغة التفضيل(1) من pro التي تعنى “قبل-سابق-متفوق” من حيث الزمان والمكان والمنزلة والترتيب والأهمية(2). وبالتالي يصير معنى العبارة المعنية:
existing before all creation – superior to all creation – preeminent over all creation
بمعنى(3) “كائن قبل كل الخليقة” أو “متفوق على (أعلى/ أسمى من) كل الخليقة” أو “متميز بتفوق على كل الخليقة”. وهذا المعنى هو المعنى الذي أجمعت عليه الكنيسة الجامعة والكتب المقدسة وأقوال الآباء.
وفى سفر الرؤيا وردت في الترجمة البيروتية عبارة “بداءة خليقة الله” (رؤ3: 14) وصحتها أول مسبب للخليقة أو مصدر الخليقة أو الذي يسود على كل الخليقة(4). لأن كلمة آرشي αρχη تعني “أصل-رأس-مسبب-الذي به يبدأ شيء في الوجود”(5) ولها معاني أخرى: “سيادة – سلطة – سطوة – ملكية تامة”. أما في الكناية عن أشخاص فلا تدل على زمن بل على أسبقية وسيادة وتفوق(6) وهو المعنى الوارد في هذه الآية، بذلك تكون الترجمة الصحيحة لها “أصل أو مسبب كل خليقة”. وبالنظر إلى (كو1: 15) و(كو1: 17) فإن المعنى المناسب هو “أصل خليقة الله”. أحيانًا يكون الأصل هو بداية الشيء مثل منابع النيل مثلًا، فإنه يمكننا أن نقول أن منابع النيل هي أصله.
واعتبر أريوس أن الابن هو أول المخلوقات، وإنه قابل للتغيير وقابل للخطية كسائر المخلوقات. وقال طالما أن الابن مولود (باليوناني γενητος جينيتوس)، والآب هو الوحيد الغير المولود (باليوناني αγενητος آجينيتوس)؛ فيكون الآب وحده هو الإله لأنه يتفوق على الابن بسبب أن الابن مولود والآب غير مولود. وحيث إن الابن مولود، إذن هناك بداية لوجوده، وبالتالي كان هناك وقت لم يكن فيه موجودًا. ويتبع ذلك أن الابن بدايته من لا شيء.
ونادى أريوس بأن الله لم يكن دائمًا آب، بل مر وقت لم يكن فيه أبًا. وأن اللوغوس غريب عن الجوهر الإلهي وليس منه. وهو لا يعرف الله تمامًا بل لا يعرف طبيعته تمام المعرفة. وأنه خُلق لأجلنا لكي يخلقنا الله بواسطته كأداة. ولم يكن له وجود إلا بدعوة الله له للوجود من أجل محبته لنا.
كما أنكر ألوهية الروح القدس، وبذلك يكون قد أنكر الثالوث القدوس. وفي ذلك تبع نظرية التدني subordination التي نادى بها أوريجانوس.
استخدم أريوس تفسيرات خاطئة لكثير من آيات الكتاب المقدس التي وردت أغلبها لكي تشير إلى حقيقة إنسانية السيد المسيح وعمله الفدائي لخلاص البشرية. وقد أراد السيد المسيح في بعضها أن يثبت أنه لا يعمل مستقلًا عن الآب.
وقول السيد المسيح عن نفسه “الحي وكنت ميتًا” (رؤ1: 18)، يقول أريوس إنه من غير الممكن أن يقول الله ذلك عن نفسه. ويستشهد بقول معلمنا بولس الرسول إلى تلميذه تيموثاوس عن الآب “المبارك العزيز الوحيد ملك الملوك ورب الأرباب الذي وحده له عدم الموت ساكنًا في نور لا يدنى منه” (1تى6: 15-16). فالآب هو الوحيد وحده الذي له عدم الموت. فكيف يقول المسيح عن نفسه “الحي وكنت ميتًا” ويكون هو الله؟
وللرد على ذلك نقول إنه عندما مات السيد المسيح، مات بحسب الجسد، وحتى روحه الإنساني لم يمت. فيقول معلمنا بطرس في رسالته الأولى عن السيد المسيح “مماتًا في الجسد ولكن محييً في الروح، الذي فيه أيضًا ذهب فكرز للأرواح التي في السجن” (1بط3: 18-19). “الذي ذهب” هو اللوغوس، وطالما ذهب اللوغوس فهو لم يمت بحسب لاهوته وحتى الروح الإنساني أيضًا لم يمت، لأنه وهو متحد باللاهوت ذهب إلى الجحيم من قِبل الصليب.
استخدم أريوس الآيات التي تشير إلى إنسانية السيد المسيح وطبقها على ألوهيته، هنا تكمن الخطورة! وبنفس الطريقة استخدم أريوس آية “وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد، ولا ملائكة السموات إلا أبى وحده” (مت24: 36) وغيرها، وطبقها على لاهوت السيد المسيح.
وقد قام القديس أثناسيوس بالرد على الآيات التي استخدمها الأريوسيون في رسائله الأربعة Contra Arianos ضد الأريوسيينFour Discourses Against the Arians المنشورة في مجموعة نيقية وما بعد نيقية Nicene & Post Nicene Fathers، إلى جوار كتاب “تجسد الكلمة” الذي كتبه أثناسيوس وهو شماس قبل أن يدخل في الصراع ضد الأريوسية.
لم يكن أريوس وحده هو الذي نادى بهذه الأفكار بل إن إفنوميوس الأريوسي أيضًا تبناها، وقد رد عليه القديس أغريغوريوس النيزينزى الثيؤلوغوس الناطق بالإلهيات في العظات الخمس التي تسمى Five Theological Orations التي دافع فيها عن الثالوث القدوس. وهى من أجمل وأقوى كتابات القديس غريغوريوس الثيئولوغوس، بل من أقوى ما قاله الآباء القديسون في شرح عقيدة الثالوث. وهي تبدو صعبة لأول وهلة، ولكن السبب في ذلك هو صعوبة الصراع ضد الهراطقة، ومنهم أريوس، الذين يستخدمون أدلة فلسفية ماكرة تحتاج رد قوى يفحم هذا الدليل المبتدع.
فالصراع كان أحيانًا في الإسكندرية بين البابا ألكسندروس وأريوس، وأحيانا في القسطنطينية بين القديس غريغوريوس الناطق بالإلهيات وتلاميذ أريوس مثل إفنوميوس.
4- الرد على المفاضلة بين مولود وغير مولود
يقول الأريوسيون أن الآب متفوق على الابن (وأيضًا على الروح القدس لأن الروح القدس منبثق، أما الآب فغير منبثق. فما يقولونه عن الولادة فيما يخص الابن يقولونه عن الانبثاق فيما يخص الروح القدس) لكن التركيز كان على الابن عند أريوس. فيقول أريوس أن الابن لا يمكن أن يكون مساوي للآب في الجوهر لأن الآب جوهره غير مولود والابن جوهره مولود.
وهنا نجد خدعة مستترة وهي أن الولادة وعدم الولادة ليست صفة من صفات الجوهر، لكنها صفة أقنومية. فخلط أريوس ما بين الخاصية الأقنومية وبين صفات الجوهر، وحوّل الصفة الأقنومية إلى صفة من صفات الجوهر الإلهي وبذلك فصل جوهر الابن عن جوهر الآب، واعتبر أن الآب كائن كينونة لا تعتمد على آخر Independent existence بينما الابن كينونته متوقفة على الآب. أي أنه اعتبر أن كينونة الابن كينونة من نوع آخر. أما كينونة الآب فنابعة منه وهو يملكها، وكما يقول علماء اللاهوت أنه يملك في ذاته علة وجوده. أما بحسب رأى أريوس فإن الابن لا يملك في ذاته علة وجوده، لأن وجوده نابع من الآب ومعتمد على الآب. وبذلك وضع أريوس جوهرين:
1– جوهر يملك في ذاته علة وجوده.
2- جوهر لا يملك في ذاته علة وجوده وهو حادث أو مخلوق أو له سبب ويعتبر نتيجة وبذلك لا يمكن أن يكون هذان الجوهران متساويين.
وللرد على ذلك نقول إن الولادة وعدم الولادة ليست صفة جوهرية، إنما هي صفة أقنومية.
الأبوة: خاصية أقنومية ينفرد بها الآب في الثالوث.
البنوة (بمعنى أنه مولود أي المولودية): خاصية أقنومية ينفرد بها الابن في الثالوث.
الانبثاق من الآب: خاصية أقنومية ينفرد بها الروح القدس في الثالوث.
المشكلة التي يثيرها الأريوسيون هي أن الابن يستمد كينونته من الآب بالولادة الأزلية قبل كل الدهور. ويقول الأريوسيون إن مجرد الولادة في حد ذاتها تعنى تفوق الآب على الابن، لأن الابن يستمد جوهره ووجوده من الآب. إذن الآب هنا متفوق باعتباره الأصل.
وللرد على ذلك نقول: هل كون الآب هو وحده الذي لا يستمد وجوده من أقنوم آخر يعنى إنه يتفوق في الجوهر على الابن وأيضًا على الروح القدس؟ ببساطة شديدة إذا كان الابن يستمد كينونته وجوهره بالولادة من الآب قبل كل الدهور، فإن الآب لا يمكن أن يكون هو الإله الحقيقي بدون الابن وبدون الروح القدس.
مثال لذلك نقول: هل يجوز أن يسأل أحد إن كان الحكيم أعظم من الحكمة أم لا؟ فالسؤال في حد ذاته هو سؤال خطأ، لأن الحكيم لا يحسب حكيمًا بدون الحكمة النابعة منه. . ومع إنه هو أصل الحكمة أو هو ينبوع الحكمة، إلا أن الحكمة هي من صميم طبيعته وجوهره. فالفرق بين الحكمة والحكيم ليس في جوهر الحكمة، ولكن الفرق هو في؛ مَنْ هو الينبوع؟ ومن هو التيار؟
هكذا تتمايز الأقانيم الثلاثة فيما بينها في الخواص الأقنومية:
فالآب : هو الأصل والينبوع.
والابن : هو المولود من الآب.
والروح القدس : هو المنبثق من الآب.
وقد استخدم القديس أثناسيوس تشبيه الينبوع والتيار في وصف العلاقة بين الآب والابن. فقال الينبوع والتيار هما نفس الماء الواحد (مياه واحدة). الينبوع هو والد والتيار هو مولود. ولكن ينبوع الماء لا يلد تيارًا من الزيت أو الزئبق أو أي سائل آخر. وبهذا لا نرى اختلافًا في الجوهر بين الينبوع والتيار. فلا يمكن لينبوع ماء حلو أن ينتج تيارًا من ماء مر أو ماء مالح. وقد تكلم القديس يعقوب الرسول عن هذه النقطة فقال: “ألعل ينبوعًا ينبع من نفس عين واحدة العذب والمر. هل تقدر يا إخوتي تينة أن تصنع زيتونًا أو كرمة تينًا ولا كذلك ينبوع يصنع ماء مالحًا وعذبًا” (يع3: 11-12).
قال القديس أثناسيوس: [ولكن كما أن النهر الخارج من الينبوع لا ينفصل عنه، وبالرغم من ذلك فإن هناك بالفعل شيئين مرئيين واسمين. لأن الآب ليس هو الابن، كما أن الابن ليس هو الآب، فالآب هو أب الابن، والابن هو ابن الآب. وكما أن الينبوع ليس هو النهر، والنهر ليس هو الينبوع، ولكن لكليهما نفس الماء الواحد الذي يسرى في مجرى من الينبوع إلى النهر، وهكذا فإن لاهوت الآب ينتقل في الابن بلا تدفق أو انقسام. لأن السيد المسيح يقول “خرجت من الآب” وأتيتُ من عند الآب. ولكنه دائمًا أبدًا مع الآب، وهو في حضن الآب. وحضن الآب لا يَخْلُ أبدًا من الابن بحسب ألوهيته.](1). لأن القديس يوحنا الإنجيلي يقول “الله لم يره أحد قط، وحيد الجنس الإله الذي هو في حضن الآب، هو خبّر” (يو1: 18). فحضن الآب لا يخلو أبدًا من الابن حتى حينما تجسد عندما أرسله الآب إلى العالم وقال “خرجت من عند الآب” (يو16: 28).
والقديس أثناسيوس الرسولي يشير إلى أن الآب هو ينبوع الحكمة وينبوع الحياة. وأن الابن هو الحكمة وهو الحياة. وإليك نص ما قاله في ذلك: [ إن كان يقال عن الله أنه ينبوع حكمة وحياة كما جاء في سفر أرمياء “تركوني أنا ينبوع المياه الحية” (أر2: 13) وأيضًا “كرسي مجد مرتفع من الابتداء هو موضع مقدسنا. أيها الرب رجاء إسرائيل كل الذين يتركونك يخزون. والحائدون عنى في التراب يُكتبون لأنهم تركوا الرب ينبوع المياه الحية” (أر17: 12، 13). وقد كتب في باروخ “إنك قد هجرت ينبوع الحكمة” (باروخ 3: 12) وهذا يتضمن أن الحياة والحكمة لم يكونا غريبين عن جوهر الينبوع بل هما خاصة له (خواص له)، ولم يكونا أبدًا غير موجودين، بل كانا دائمًا موجودين. والآن فإن الابن هو كل هذه الأشياء وهو الذي يقول “أنا هو.. الحياة” (يو14: 6)(2).. كيف إذًا لا يكون كافرًا من يقول “كان وقت ما عندما لم يكن الابن فيه موجودًا لأن هذا مثل الذي يقول تمامًا كان هناك وقت كان فيه الينبوع جافًا خاليًا من الحياة والحكمة. ولكن مثل هذا الينبوع لا يكون ينبوعًا، لأن الذي لا يلد من ذاته (أي من نبعه الخاص) لا يكون ينبوعًا.] (المقالة الأولى ضد الأريوسية، فصل 6 : 19).
الينبوع إذا لم يلد لا يكون ينبوعًا فإذا ألغينا الابن فإننا نلغى الآب. “لأن الذي لا يلد من ذاته (أي من نبعه الخاص) لا يكون ينبوعًا” كما قال القديس أثناسيوس. ظن أريوس أن الآب متفوق لأنه هو وحده الذي يلد، لكن هل هناك آب بدون ابن؟
وفى دفاع القديس غريغوريوس الناطق بالإلهيات عن ألوهية الابن في مقالاته اللاهوتية الخمسة التي قالها ردًا على إفنوميوس الأريوسي قال [ وتسألني (يسخر منه) متى ولد الابن (متى خلق)؟ فأقول لك لقد ولد الابن حينما لم يكن الآب مولود](3). وهو بذلك يريد أن يحرج الأريوسيين بأنهم ينكرون أبوة الآب الأزلية حينما ينكرون أزلية الابن. لأن القديس غرغوريوس قال إن الأبوة بالنسبة للآب لا يمكن أن تكون صفة حادثة أو مكتسبة. ولم يحدث إطلاقًا أن الآب لم يكن آبًا لكي ننكر ميلادًا للابن منه بلا بداية وقبل كل الدهور وبالطبيعة وليس بالإرادة. أي أن الابن مولود ولادة طبيعية من الآب، فلم يحدث أن الآب كان كائنًا ثم فكّر في زمن ما لماذا لا يكون آب، فولد الابن.
ومثال ذلك نقول: إن العقل بغير الفكر لا يحسب عقلًا على الإطلاق. فإذا كان العقل ليس له بداية، فالفكر ليس له بداية. ومع أن العقل والد والفكر مولود، ومع أن العقل هو أصل الفكر، إلا أن العقل لا يسبق الفكر في الوجود. وكما قلنا سابقًا إن الحكيم لا يحسب حكيمًا بغير الحكمة. ولا توجد قوة في الوجود تستطيع أن تسلخ الحكمة من الحكيم. فإذا كان الحكيم يعطى للحكمة وجودها، فإن الحكمة تعطى للحكيم قيمته وحقيقة طبيعته. لأنه إذا فقدها يفقد قيمته ويفقد كنهه(4)؛ وصفة جوهره.
إن اللهب لا يحسب نارًا بغير حرارة نابعة منه. فإذا فقد اللهب الحرارة، لا يُدعى نارًا على الإطلاق. فما المفاضلة إذًا؟
إذا كان اللهب هو أصل الحرارة، فإنه يُحسب نارًا بحرارته، فإذا فقدها يفقد كنهه ويفقد قيمته. فكيف يسأل سائل أيهما أعظم اللهب أم الحرارة النابعة منه؟! لا يوجد لهب بدون حرارة، ولا توجد حرارة بدون لهب أي مصدر لها.
وختامًا لهذه القضية نقول إن الفرق بين الآب والابن ليس هو في الجوهر ولا في الكينونة ولا في الوجود، بل هو فقط في حالة الوجود. فهل يختلف جوهرك أنت إذا كنت جالسًا على كرسي في حجرة أو كنت في قطار مسرع؟ إن الفرق هو في حالة الوجود وليس في الوجود.
كل والد يلد مولود من نفس جوهره وطبيعته. لكن في حالة أي كائن فإن المولود يكون كائن مستقل ويحدث انفصال رغم أن الوالد يلد كائن مساوي له في الجوهر. أما في الثالوث فإن الولادة خارج الزمن، فليس هناك بداية وليس هناك سابق ومسبوق. هي مثل ولادة الفكر من العقل. فبما أن الآب هو ينبوع الحكمة والابن هو الحكمة؛ إذن لا يمكن فصلهما عن بعضهما البعض. لا يوجد انفصال في الثالوث بل الولادة هي مثل ولادة التيار من الينبوع، والفكر من العقل(5)، والشعاع من النور.
في حواره مع إفنوميوس شرح القديس غريغوريوس الثئولوغوس ما يلي: كيف تدَّعى أن صفات الأبوة والبنوة تُغيّر الجوهر ما بين الآب والابن؟ هل يمكن أن يلد الإنسان غزالًا أو قردًا؟! إن الوالد يلد كائن مساوي له في الجوهر. فالأبوة خاصية تتعلق بالأقنوم ولا تتعلق بالجوهر. لأنها خاصية أقنومية، وليست من خواص الجوهر.
5- مساوي في الجوهر أم واحد في الجوهر
نعود إلى شرح هذه النقطة، وسوف نستخدم لذلك التشبيه التالي:
إذا كان لدينا مثلث من معدن الذهب، إذا كان معدن المثلث هو الذهب فإن رؤوسه الثلاثة تكون من الذهب أيضًا. أي أن الذهب واحد، وهذا هو الجوهر. أ هو ذهب / ب هو ذهب / ج هو ذهب. والذهب الذي يخص أ يساوى الذهب الذي يخص ب وج، ومع ذلك فإن هناك ذهب واحد وليس أكثر. وبهذا يكون أ واحد مع ب في الجوهر وأيضًا مساوي له في الجوهر.
“واحد في الجوهر” لأن الجوهر غير منقسم، و”مساوي” لأن نصيبه من الذهب ليس أقل. لكن إذا قمنا بلصق جرام ذهب مع كيلو من الذهب يكون الاثنين واحد في الجوهر لكنهما غير متساويين. لذلك فإن عبارة واحد مع الآب في الجوهر غير كافية خاصة إنها لا تعطى انطباعًا بأن هناك أقنوم يسمى الآب وآخر يسمى الابن. وكان القديس أثناسيوس يحتاط من هرطقة سابيليوس الذي كان يؤمن بالأقنوم الواحد.
قال سابيليوس أن الله لما خلقنا كان يسمى الآب ولما خلّصنا كان يسمى الابن ولما قدّسنا كان يسمى الروح القدس. وأن الآب هو الابن هو الروح القدس، أقنوم واحد بثلاثة أسماء. وبهذا فقد مفهوم الثالوث، فهو آمن بالتجسد والفداء لكنه لم يؤمن بحقيقة أن الابن هو ابن وأن الآب هو آب، أي ألغى حقيقة الابن واعتبره مجرد اسم وليس حقيقة.
هل في التشبيه السابق نستطيع أن نقول أن أ هو ب؟ بالطبع لا، لأن أ إذا انطبق على ب يصير المثلث خط مستقيم. وإذا انطبقت النقط أ، ب، ج سيتحول المثلث إلى نقطة مساحتها صفر وبهذا يؤول الذهب إلى صفر، أي ينعدم الجوهر وينعدم التمايز. هكذا إذا طبقنا نفس الأمر على الثالوث:
وحدانية الجوهر وتمايز الأقانيم
الآب : هو الله من حيث الجوهر، وهو الأصل من حيث الأقنوم.
الابن : هو الله من حيث الجوهر، وهو المولود من حيث الأقنوم.
الروح القدس: هو الله من حيث الجوهر، وهو المنبثق من حيث الأقنوم.
الله له جوهر واحد في ثلاثة أقانيم متساوية في الجوهر.
تشترك الأقانيم معًا في جميع خواص الجوهر الإلهي الواحد وتتمايز فيما بينها بالخواص الأقنومية.
الآب: هو الأصل أو الينبوع في الثالوث وهو أصل الجوهر وأصل الكينونة بالنسبة للأقنومين الآخرين.
الابن: هو مولود من الآب ولكن ليس مجرد صفة بل أقنوم له كينونة حقيقية وغير منفصل عن الآب لأنه كلمة الله.
الروح القدس: ينبثق من الآب ولكنه ليس مجرد صفة، بل أقنوم له كينونة حقيقية وغير منفصل عن الآب لأنه روح الله.
من الخطورة أن نعتبر أن الأقانيم هي مجرد صفات لله وكأن الجوهر يخص الآب وحده، وبهذا ننفى الجوهر عن الابن والروح القدس، أو ننفى كينونتهما، ويتحولان إلى صفات لأقنوم إلهي وحيد هو أقنوم الآب وهذه هي هرطقة سابيليوس.
6- مفتاح المسيحية هو أن “الله محبة”
“الله محبة” (1يو4: 8، 16). من كان الآب يحب قبل أن يخلق العالم والملائكة والبشر؟ إذا أحب الله الآب نفسه، يكون أنانيًا ego-centric؛ وحاشا لله أن يكون هكذا. إذن لابد من وجود محبوب، كما قال السيد المسيح في مناجاته للآب قبل الصلب “لأنك أحببتني قبل إنشاء العالم” (يو17: 24). وبوجود الابن يمكن أن نصف الله بالحب أزليًا وليس كأن الحب شيء حادث أو مستحدث بالنسبة لله. فالأبوَّة والحب مُتلازمان، طالما وجدت الأبوة فهناك المحبة بين الآب والابن.
ولكن الحب لا يصير كاملًا إلا بوجود الأقنوم الثالث. لأن الحب نحو الأنا، هو أنانية وليس حبًا. والحب الذي يتجه نحو الآخر الذي ليس آخر سواه (المنحصر في آخر وحيد) هو حب متخصص رافض للاحتواء exclusive love بمعنى إنه حب ناقص. ولكن الحب المثالي هو الذي يتجه نحو الآخر وإلى كل من هو آخر inclusive love. وهنا تبرز أهمية وجود الأقنوم الثالث من أجل كمال المحبة.
وإذا وجدت الخليقة في أي وقت وفي أي مكان فهي تدخل في نطاق هذا الحب اللانهائي لأن مثلث الحب هنا هو بلا حدود ولا مقاييس. هذا الحب الكامل يتجه أيضًا نحو الخليقة حيثما وحينما توجد. كما قال السيد المسيح للآب “ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به وأكون أنا فيهم” (يو17: 26). إن الحب الكامل هو الحب بين الأقانيم الثلاثة وهذا هو أعظم حب في الوجود كله.
لكن قد يسأل سائل لماذا لا تكون الأقانيم أربعة أو خمسة؟ وللرد نقول أن أي شيء ناقص في الله يعتبر ضد كماله الإلهي، كما أن أي شيء يزيد بلا داعي يعتبر ضد كماله الإلهي.
إن مساحة هذا المثلث ما لا نهاية، أي أن مساحة الحب بين الأقانيم الثلاثة هي ما لا نهاية، ومثلث الحب هذا يتسع حتى يشمل كل الخليقة، فأي كائن يقع داخل نطاق المثلث يشمله هذا الحب فما الداعي لنقطة رابعة أو خامسة.
إذا كان المثلث نقطة أو مستقيم تكون مساحته صفر كما قلنا، حتى إذا كان طوله ما لا نهاية، لكن حين صار مثلثًا صارت له مساحة. فإن كانت المساحة ما لا نهاية فإنها تشمل كل الخليقة، فلا يحتاج الأمر إلى مربع أو مسدس. يكفى لكي تكون هناك مساحة أن يكون مثلث.
مثال توضيحي:
إذا اشتريت خط مستقيم من القاهرة إلى بنها ولكن ليس له عرض فأنت لم تشترى أرض على الإطلاق. لكنك تعتبر نفسك اشتريت مساحة أرض فقط إذا كان لها طول وعرض. فالخط إذا كان عرضه صفر حتى وإن كان طوله ما لا نهاية فهو يؤول إلى صفر.