سلسلة هوامش حول التعليم فى الكنيسة القبطية الارثوذكسية … الفرق بين روحانية فكر كنيستنا القبطية وروحانية الغربيين ….للمتنيح الأنبا بيمن اسقف ملوي،
نحن نؤمن بالمحبة بين جميع الطوائف المسيحية من اقصاها الى اقصاها وبالفعل لاننا جميعا نؤمن بالسيد المسيح اها ومخلصا ومعلما , ونؤمن بالمشاركة وعلاقات المحبة بيننا جميعا , والاساس فى هذا ان لكل كنيسة ايمانها وتعاليمها وتراثها وتاريخها ومقوماتها الذاتية والشخصية , وبالطبع يصبح علاقات المحبة على اساس ان تحافظ كل كنيسة على هذه المقومات ولاتعمل كنيسة على اذابة الاخرى فى تعاليمها او ايمانها او شخصيتها , لان اى كنيسة تفقد احد مقوماتها الذاتية تكون عرضة للانهيار من الداخل .
وبالضرورة فأن كنيستنا القبطية الارثوذكسية ذات جذور عميقة فى التاريخ كونت من خلالها شخصيتها التى خافظت على وجودها ومكانتها بين كنائس العالم حتى اللحظة.
ونحن لم نبالغ فى وصفنا لمكانة بابا الكنيسة القبطية الارثوذكسية ” بصفته” هو بابا الارثوذكس فى العالم سواء للكنائس الخلقدونية او الكنائس غير الخلقدونية .
ونحن نفتح النقاش من اليوم حول التعليم فى الكنيسة القبطية الارثوذكسية .
+++ “روحانية الكنيسة القبطية الارثوذكسية
عندما عشت مع الغربيين في جامعاتهم، وتأملت في روحياتهم، أدركت أن الروحانية الارثوذكسية تختلف جذرياً عن تلك التي في الغرب. فاللاهوت الغربي يقوم علي الدراسة والتحليل والبحث والنقد، حتي إني وجدت طلاب الدكتوراة ينتقدون القديس بولس فيما يكتبه عن الرجل و المرأة في كورنثوس الأولي، وينتقدون نظرة الانجيل نحو الطلاق. ويعللون نقدهم هذا بانه دراسة علمية للظروف الثقافية التي كتب فيها الانجيل، والتي يظنون أنها قد أثرت علي عقلية من كتب، دون أن يدروا أن ما كتب أنما كتب بوحي من الروح القدس. فمنهج الكنيسة الارثوذكسية منهج روحي نسكي اختباري، بينما منهج الغرب عقلي تحليلي. هدف الحياة الروحية عند الغرب، هو إسعاد الانسان علي الارض. ويفسرون الاَية ” جئت لتكون لهم حياة، ويكون لهم أفضل” بأن الحياة الأفضل هي الحياة الأرضية المتحضرة والمتقدمة اجتماعياً وثقافياً. وليس في تفكيرهم أن الحياة الأفضل هي الحياة الأبدية الحاضرة في “الاَن” كما قصدها الرب. أما الحياة الروحية عند الارثوذكسيين فهي حياة تبدأ هنا و تمتد في الأبدية. لهذا يعطيها الأرثوذكسي كل أهتمامه. فصلواته ونسكه وعبادته وخدماته هي من أجل أبديته، التي يترجاها بالإيمان و يتوقعها بالصبر. الغربيون يركزون علي عقيدة أن الله صار إنساناً، ليصير الإنسان الهاً، فيؤلهون الإنسانية ويتنافسون في إسعاد اَدمية الانسان. والارثوذكسيون يركزون علي عقيدة أن الله صار إنساناً ثم صلب ومات وقام لكي يحررنا ويبررنا و يقدسنا ويفتح أبواب الفردوس. لم أجد أستاذا واحداً غربياً في الجامعات اللاهوتية، قد أهتم بالنسك والرهبنة و التكريس. ولكن الغالبية تهتم بالإنسان في حواره مع الله، وفي حواره مع نفسه، وفي حواره مع الاخرين. والروحانية الارثوذكسية تركز علي جهاد الانسان، والغربيون متأثرون بالقديس أغسطينوس في تركيزه علي النعمة الإلهية. ولكن الارثوذكسي لا يتجاهل عمل النعمة في جهاده، ولكنه يري أنه لا نعمة بدون جهاد، ولا جهاد مقبول إلا بعمل النعمة. والغربيون يكتبون دائماً عن “يسوع” ويكاد اسم الرب يسوع في الكتابات الغربية يقترب من اسم أي شخص عادي. ولكن الارثوذكسي عندما يتحدث عن المسيح يقول ” ربنا والهنا ومخلصنا يسوع المسيح له المجد دائما إلي الابد أمين” ذلك أن تعالي الغرب واعتزازه بإنسانيته، تجعله يتصور أن الله الذي صار إنساناً يقترب منه تماماً، متجاهلاً الأقنوم الإلهي المخوف المملوء مجداً. والأرثوذكسي يمجد الثالوث القدوس في كل صلواته وتسابيحه وأحاديثه، لأنه يعلم أن المسيح قبل تجسده كان مع الاَب والروح القدس في شركة الحب و المجد والفرح وإنه بعد صعوده جلس عن يمين الاَب في المجد الذي له قبل كون العالم. عندما سألت أحد أساتذة اللاهوت في أمريكا: لماذا لا تركزون علي الثالوث القدوس، وتكتفون بذكر كلمة الرب أو الله؟ قال لي أن موضوع الأقانيم موضوع دراسة وبحث وجدل والأسهل نقول الله و كفي …! ولقد حزنت كثيرا عندما وجدت غالبية الابحاث اللاهوتية تغفل عمل الاَب. مع أن المسيح له المجد عندما جاء أعلن أنه قادم من عند الاَب، وأنه يريد الكل أن يسأل الاَب، لكي يتمجد الاَب في إبنه. روحانيتنا روحانية ثالوثية فيها أختبار الاَب ومحبته، ونعمة الابن وخلاصه، وشركة و موهبة و عطية الروح القدس و فاعليته. المجتمع الغربي مجتمع فردي بكل ما لهذه الكلمة من معني، وقد أثر هذا علي الروحانية نفسها. فالغربي يركز علي خلاصه الشخصي وتأملاته و أبحاثه، بينما الارثوذكسي يهتم كثيراً بحياة الشركة “Koinonia” فوظائف الكنيسة اللتروجيا، الدياكونية، الكينونيا – هي وظائف جماعية و ليست فردية. وأسرار الكنيسة تغرس الفرد في وحدة الألفة والمحبة وشركة العلاقة مع أهل بيت الله أي الكنيسة. والمؤمن يخلص من خلال الكنيسة و ليس خارجها. والعلاقة الشخصية بين الارثوذكسي والرب موضوعة في إطار وحدة المؤمنين المرتبطين برباط الكمال الذي هو رباط المحبة ووحدانية الروح. والوحدة ليست بين الاكليروس والعلمانيين فقط، وإنما هي وحدة السمائيين مع الأرضيين. فالعلاقة القوية التي تربط المنتصرين الذين كملوا في الايمان مع المجاهدين الذين لا يزالون يركضون نحو الجعالة، هي محور من هم محاور الروحانية الارثوذكسية. تبرز في الروحانية الغربية ثنائيات كثيرة مثل: ثنائية الله و الانسان، الجهاد والنعمة، الفرد والجماعة، المادة والفكر، الجسد والروح، الزمن والأبدية. ولكن في الارثوذكسية لا توجد هذه الثنائيات لأن الكنيسة الارثوذكسية لم تتأثر بالأفلاطونية التي تعتبر المادة ضد الفكر و الروح وانما هي متأثرة بالتجسد الإلهي الذي جعل الكون والمادة والجسد مجالات لتمجيد الله وتقديس إسمه. وعندنا ليس من تضاد بين الزمن والأبدية، بل هناك تلاحم وإتصال لأجل هذا أصبح الزمان داخلاً أعتاب الأبدية، وأصبحت الأبدية هابطة علي تاريخنا، ساحبة إياه في تخومها اللانهائية. ——-