الكنيسة المصرية والكنيسة الروسية علاقات ممتدة منذ مئات السنين…. تعتبر الكنيسة الروسية واحدة من أعرق الكنائس الأرثوذكسية في العالم ، فمبشرها بالإيمان هو القديس العظيم أندراوس الرسول أحد الإثنى عشر تلاميذ ربنا يسوع المسيح ، حيث يُعتقد أن القديس أندراوس قد زار سكيثيا والمستوطنات الإغريقية المطلة على ساحل البحر الأسود الشمالي ، بل وتستطرد تلك الإعتقادات بأن القديس أندراوس قد وصل في رحلته التبشيرية إلى مكان يُعتقد أنه الآن مدينة كييف الأوكرانية. و قد بنيت للقديس أندراوس الرسول كاتدرائية عظيمة في ذات المكان الذي قد نال فيه إكليل الإستشهاد مصلوباً. مرت على الكنيسة الروسية الأرثوذكسية ظروفاً تاريخية متنوعة_ لن نتطرق إليها فهي ليست موضوع المقال_ إلا أن في عام ١٩١٧ وقبل إعلان بدأ الثورة البلشفية بشهرين أُعيد تأسيس الكنيسة الروسية حينما قامت بتنصيب (تيخون) بطريركاً لها ولكن هذا التأسيس كان تحت مظلة الحكم السوڤيتي ، و قد عانت الكنيسة الروسية وقتذاك أشد المعاناه ولا سيما في حفظ حقوقها ككيان على الأراضي الروسية ، فتعرضت للتنكيل والإضطهاد ، بل والكثيرون من أبنائها قد تركوها في ظل إزدهار الفكر الإلحادي الذي تبناه الإتحاد السوفيتي حتى وصل بها الحال إلى سجن بطريركها وقتله بأمر السلطات عام ١٩٢٥. إلا أن الكنيسة الروسية قد عادت إلى رونقها الروحي الاول عام ١٩٩١ حيث عاد إليها الملايين من أبنائها الروس ، بل وحتى المزاعم التي أشاعها البعض بأن الفكر الإلحادي لازال يؤثر على الكنيسة الروسية كونها واقعة في تلك البقعة إستطاعت الكنيسة الروسية أن تثبت كذب تلك المزاعم بنهضة روحية وليتورچية قوية. تاريخ العلاقات بين الكنيستين القبطية والروسية ليس وليد اليوم ، بل هو ممتد لعقود زمنية طويلة ، تجلت تلك العلاقة في حقبة القديس البابا كيرلس الرابع الشهير بأبي الإصلاح ، فالبابا كيرلس الرابع قد دفع حياته ثمناً لتلك العلاقة. كانت أولى محاولات توحيد الكنائس الأرثوذكسية من أهم ما يشغل فكر البابا كيرلس الرابع ، وكان يمضي قدماً نحو أخذ خطوات جادة في ذلك الملف . تلك المحاولات لم تروق لهوى المحتل الإنجليزي أنذاك ، بل وقد جاء إعتراض الإنجليز على توافق الكنائس الأرثوذكسية وخصوصاً القبطية والروسية متوافقاً كل التوافق مع كراهية السلطان العثماني للروس مما أثار حفيظته والتي أثارت بالتبعية حفيظة الخيديو سعيد باشا حاكم مصر. بل أن الخيديو قد زاد حنقه حينما علم بأن البابا كيرلس الرابع بات في المضي نحو تلك الخطوة بإصطحاب بطريرك الأرمن لدير القديس الانبا أنطونيوس بجبل القلزم (البحر الاحمر) ، فكانت تلك الخطوات كفيلة بأن تتم مكيدة مدبرة قُتل فيها البابا كيرلس الرابع مسموماً من قبل الإنجليز والخيديو. في عهد القديس البابا كيرلس السادس ظهرت من جديد علاقات المحبة بين الكنيستين القبطية والروسية الأرثوذوكسيتان ، وازدادت تلك العلاقات بزيارة قداسة البطريرك كيريل للقاهرة ولقاءه بمثلث الرحمات البابا شنودة الثالث نيح الله نفسه ، ثم الزيارات المتبادلة بين البطريرك كيريل وقداسة البابا تواضروس الثاني أدام الله حياته ومتعه بالصحة وإستقبال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لقداسة بابا الكنيسة القبطية ، فالعلاقات المصرية الروسية في العموم تتمتع بالسلام والمحبة في ظل رئاسة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي والعلاقات بين الكنيستين خصوصاً تتمتع بمزيد من المحبة والتقارب الشديد. والكنيسة الروسية تعترف بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية ككيان على أراضيها بل ومنحت الكنيسة القبطية كنائس خاصة للصلاة بها ولنا في موسكو إثنان من الاباء الأقباط لخدمة الجالية المصرية هناك . بعد المناقشات التي تمت بين الكنائس الأرثوذكسية اللا خلقيدونية والكنائس الأرثوذكسية الخلقيدونية تم الإتفاق على رفع الحروم بين كلا الطرفين بعضهم البعض ، ولكن الكنائس الخلقيدونية إتفقت على إنتظار إنعقاد المجمع الأرثوذكسي الكبير والذي أقيم فعلياً عام ٢٠١٦ بجزيرة كريت ، إلا أن ومع الأسف كان الإنقسام الإداري بين الكنائس الخلقيدونية الأرثوذكسية قائم فحال ضد تنفيذ القرار بين الكنيسة القبطية والكنيسة الروسية لكون الكنيسة الروسية واحدة من ضمن العائلة الخلقيدونية. لكننا ككنيسة قبطية نصلي من أعماق قلوبنا أن تزول تلك الخلافات كي تتقارب جميع الكنائس الأرثوذكسية أكثر وأكثر لتنمو بذار المحبة وتنبت أزهار يفوح أريجها في كل العالم. نحن نعلم غيرة أبنائنا المقدسة نحو الإيمان ، فالكنيسة القبطية هي الكنيسة الباسلة الباذلة التي قدمت عبر كل العصور ملايين الشهداء المدافعين عن الإيمان بدئاً من حقبة أبانا العظيم القديس مار مرقس الرسول وحتى تلك اللحظة الحاضرة. نحن نثمن على تلك الغيرة المقدسة نحو حفظ إيمان الكنيسة القبطية طاهراً نقياً قوياً . هذا الإيمان الذي بنيت عليه حياتنا مع المسيح: “طبيعة واحدة مقدسة لله الكلمة.” ، طبيعة واحدة من طبيعتين لاهوت وناسوت دون إختلاط ولا إمتزاج ولا تغيير كما نصلي في القداس الإلهي الكنيسة القبطية تحاول التقارب في وجهات النظر مع إخواتنا الأرثوذكسيين الخلقيدونيين حول تقريب المفاهيم ولإزالة أي سوء فهم بين الطرفين والكنيسة الروسية في أشد درجات التفاهم مع كنيستنا القبطية حول تلك القضية ، ومن هنا نطمئن أبنائنا الغيورين على إيمان كنيستنا العظيم ، الكنيسة القبطية تسعى لتوطيد سبل المحبة بين الجميع وهي محافظة على ما تسلمته من أبائنا القديسين المدافعين عن الإيمان. كونوا معافين في الرب.